لم يعد خافياً على أحد أن الحرب في أفغانستان لا تسير على ما يرام، إذ إن جميع الاتجاهات الراهنة تشير إلى تدهور الوضع، وإلى الاتجاه الخاطئ الذي تسلكه الحرب، لكن مع ذلك ما زال أمامنا بعض الوقت لتركيز جهودنا وتحسين استراتيجيتنا وتعديل وسائلنا للوصول في النهاية إلى النتائج المرجوة. وفي هذا الإطار سيكون من المفيد لنا كثيراً لو أبقينا نصب أعيننا الهدف الرئيسي للسياسة الأميركية في أفغانستان كما عبر عنها وزير الدفاع "روبرت جيتس" في الأسبوع الماضي حين قال: "إن هدفنا الأساسي هو منع أفغانستان من التحول إلى قاعدة للإرهابيين والمتشددين يستغلونها للهجوم على الولايات المتحدة وحلفائها"، وهو تصريح واضح ومحدد المعنى بشكل يبعث على الارتياح. ولا يعني ذلك أننا لا نملك أهدافاً أخرى مثل ضرورة دعم برامج التعليم وتمدرس الفتيات وتأمين الخدمات والقضاء على المخدرات وإرساء الديمقراطية الليبرالية، لكن أفغانستان تبقى على رغم كل شيء واحداً من أفقر البلدان في العالم وأكثرها معاناة من الحروب، وفي أحسن الأحوال سيتحقق فقط جزء من تلك الأهداف على امتداد فترة زمنية طويلة على ألا تُربط بالأهداف العسكرية والسياسية، ناهيك عن أنها أصلاً ليست من صنف الأهداف التي يمكن أن تنجز بالقوة العسكرية. ولإبقاء جهود الجيش الأميركي في أفغانستان منصبة على هدف واضح قابل للتحقيق، ولمساعدته في إنجاح مهمته الصعبة، فإن أمامه أربع خطوات أساسية. الخطوة الأولى: يتعين على الجيش الأميركي انتهاج سياسة فعالة في مكافحة التمرد، إذ على رغم النجاح الواضح الذي حققه الجنرال ديفيد بيتراوس في العراق مازالت القوات الأميركية إلى هذه اللحظة تعتمد على تكتيكات تقليدية مثل عمليات المداهمة ومهمات البحث والتدمير والقيام بالهجمات الجوية. ولأن أفغانستان ذات طبيعة ريفية في مجملها لا يحتاج الجيش الأميركي إلى مزيد من القوات الإضافية بسبب قلة التجمعات السكانية والعدد المحدود للطرق المعبدة التي تحتاج فعلًا للحماية. وقد شرع الجنرال، ديفيد ماكيرمان، قائد القوات الأميركية بأفغانستان، في تطبيق خطة جديدة هناك تسعى إلى تحقيق مزيد من الضغط على المتمردين، فإضافة إلى ضرورة وجود اثنين إلى أربعة ألوية أميركية وتحسين قدرات الجيش الأفغاني يتعين أيضاً إرسال ما يكفي من القوات لتطبيق النسخة المعدلة من استراتيجية مكافحة التمرد الجديدة. وكخطوة ثانية: لابد أيضاً من تعزيز مصداقية الحكومة الأفغانية، حيث ينظر إلى الحكومة المركزية على أنها محدودة الفعالية، فضلاً عن تفشي الفساد في دواليبها. لكن من المؤسف أن يرتبط العديد من العناصر الأكثر فساداً بالولايات المتحدة والغرب، ما يكسبهم نوعاً من الحصانة يحول دون محاسبتهم. ولعل الطريق الأقرب لدعم شرعية الحكومة الأفغانية هو ضمان إجراء انتخابات رئاسية ومحلية خلال السنة الجارية دون مشاكل، مع توفير إمكانية المنافسة الشريفة لباقي المرشحين في حملة نزيهة وحرة، وبالطبع ليست الانتخابات سوى جزء بسيط من عملية إعادة الشرعية للمنظومة السياسية، إذ لابد من جهد أشمل يُشرك القادة القبليين ويشرف على عقد مجالس محلية لبناء قاعدة متنوعة تؤيد الحكومة المركزية. ولن يكون الهدف مجرد تركيز للسلطات كافة في أيدي الحكومة، لأن أفغانستان بطبيعتها ذات ثقافة غير مركزية وتأبى هذا النظام، بل سيكون الهدف إضفاء الشرعية على الحكومة ومدها بالمصداقية وبقاعدة قوية من الحلفاء يضمنون استمرارها. وفي الخطوة الثالثة: يتعين الحديث إلى "طالبان" التي أصرت الولايات المتحدة على تجاهلها طيلة الفترة السابقة، فنحن وإن كانت لدينا اختلافات جوهرية مع "طالبان" بشأن العديد من القضايا مثل الديمقراطية ومعاملة النساء، إلا أن هناك أنظمة إسلامية أخرى نختلف معها حول ذات القضايا دون أن يعني ذلك عدم إقامة علاقات عادية معها. فلو تخلى عناصر "طالبان" عن تنظيم "القاعدة" لما رأينا في محاربتها ضرورة مستعجلة يستدعيها الأمن القومي الأميركي، كما أن الحديث إلى "طالبان" من شأنه تحقيق فوائد عسكرية، حيث معروف أن "القاعدة" هي تنظيم لا يملك دولة خاصة به ولا يمكنه الاستمرار إلا في ضيافة بلد ما. لذا يتعين أن ينصب هدفنا على عزل "القاعدة" وفصلها عن حلفائها في أفغانستان وباكستان، لأنه بحرمانها من التأييد المحلي ستتحول "القاعدة" إلى تنظيم هامشي لا خطورة له. ولا ننسى أيضاً أنه منذ الانخراط الأميركي في أفغانستان قبل سبع سنوات لم يتورط أي من الأفغان في مخططات تستهدف الولايات المتحدة، وكل ما تم كشفه إلى حد الساعة يرجع إلى بعض العناصر المتطرفة في باكستان وليس أفغانستان. أما الخطوة الرابعة والأخيرة في طريق تأمين أفغانستان وإنجاح الاستراتيجية الأميركية فتتمثل في معالجة مشكلة باكستان نفسها، فقد هربت "القاعدة" بعد الغزو الأميركي لأفغانستان من البلاد نحو المناطق الحدودية مع باكستان لتجد الدعم هناك من "طالبان" ومن جمهور متعاطف في المناطق القبلية. وسيتطلب الأمر من إسلام آباد المزيد من الجهد في مواجهة تلك الجماعات الأصولية وتغييراً جوهرياً في الاستراتيجيات. وفيما تقترب مواقف الحكومة الباكستانية المدنية، على رغم مصاعبها الداخلية، من المواقف الدولية حول هذه القضايا يعتقد البعض أن الجيش الباكستاني قد لا يبدو مستعداً لذات الخيار. ومن بين المهمات التي ستواجه ديفيد بيتراوس كقائد للقيادة المركزية الأميركية وإلى جانبه ريتشارد هولبروك كمبعوث خاص للمنطقة، مسألة التعامل مع باكستان الأصعب، والتي بدونها لا يمكن أبداً الانتصار في حرب أفغانستان. ---------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"