العنصر البشري هو ركيزة التنمية، والارتقاء بقدراته وتأهيله للانخراط في سوق العمل يشكّل أولوية متقدّمة لدى أي دولة، وفي المقابل فإن أي معوّقات من شأنها الحدّ من الاستثمار فيه فإنها تحرم المجتمع من أن يستخدم طاقاته وقدراته كلها في صنع تقدّمه وتنميته. وتدرك الإمارات ذلك بوضوح، خاصة في ضوء ما تعانيه من اختلال سكاني نتيجة الاستعانة بالعمالة الأجنبية في العديد من القطاعات. ولهذا تحرص الحكومة على الارتقاء بقدرات المواطنين وتأهيلهم للانخراط في سوق العمل. وفي هذا السياق كشفت جهات حكومية اتحادية ومحلية (هيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية "تنمية" وبرنامج الإمارات لتطوير الكوادر الوطنية إضافة إلى دائرة التنمية البشرية في الشارقة) خلال الأيام الماضية عن مساعيها الرامية إلى توظيف أكثر من 5 آلاف باحث عن عمل من المواطنين والمواطنات خلال العام الحالي 2009، وذلك من مجموع نحو 38 ألف باحث عن عمل مقيّدين لديها. أهمية هذه الخطوة لا تكمن فقط في أنها تأتي تطبيقاً لتوجّه حكومي يسعى إلى معالجة الأوضاع الداخلية لسوق العمل، والتقليص التدريجي للعمالة الوافدة، التي أصبحت تشكّل هاجساً مقلقاً للمجتمع الإماراتي بعد أن وصلت نسبتها إلى ما يقرب من 90% من قوة العمل في الإمارات، ونحو 80% من مجمل السكان، وإنما أيضاً لأنها تتضمّن إشراك القطاع الخاص ضمن هذا التوجّه، فخطط التوظيف المعدّة من قبل "هيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية" تستهدف غالبية القطاعات الخاصة، ومنها قطاع السياحة والمبيعات والتصنيع وغيرها من القطاعات، إلى جانب السعي إلى إيجاد فرص وظيفية لدى الدوائر الحكومية المحلية والمؤسّسات شبه الحكومية. كما تسعى "دائرة تنمية الموارد البشرية" في الشارقة إلى توفير الفرص الوظيفية لأكثر من 1500 باحث عن عمل من المسجّلين في قاعدة البيانات لدى المؤسّسات الحكومية والقطاع الخاص في الإمارة، مثل المصارف وشركات التأمين وغيرها من القطاعات الخاصة، وذلك من خلال المشاركة في معارض التوظيف التي تقام سنوياً في الإمارة وعلى مستوى الدولة إلى جانب إبرام اتفاقيات التدريب والتوظيف مع الجهات التي لديها شواغر وظيفية وتنظيم الأيام المفتوحة التي من شأنها توفير اللقاءات المباشرة بين الباحثين عن العمل وتلك الجهات. وبرغم أهمية هذه الخطوة، فإنها ليست كافية، وخاصة إذا ما تمّ الأخذ في الاعتبار أن عدد الباحثين عن عمل يفوق بكثير أولئك الذين تمّ توفير وظائف لهم، فبحسب آخر تحديث أجرته "هيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية"، نهاية الأسبوع الماضي، فإن قاعدة بيانات الباحثين عن العمل المقيدين لديها تضم 12314 من بينهم 9 آلاف و507 مواطنات وألفان و807 مواطنين في دبي والإمارات الشمالية. وعلى الصعيد ذاته، يبلغ عدد المقيّدين لدى برنامج الإمارات لتطوير الكوادر الوطنية 19 ألفاً و58 باحثاً عن عمل من بينهم 12 ألفاً و331 مواطنة و6 آلاف و727 مواطناً. ويبلغ عدد الباحثين عن عمل والمقيدين لدى دائرة تنمية الموارد البشرية في الشارقة 6 آلاف و500 مواطن ومواطنة. ولعل اللافت للنظر في هذه الإحصاءات، هو أن بعض الباحثين عن عمل يحمل شهادات عليا، بينهم 8 مواطنين حاصلين على شهادة الدكتوراه و58 مواطناً حاصلاً على شهادة الماجستير و3160 مواطناً حاصلاً على شهادة البكالوريوس. وهذا بدوره يثير التساؤل حول أسباب استبعادهم من سوق العمل؟ إذ قد يكون هذا نتيجة غياب التوصيف الدقيق للوظائف من جانب الجهات الحكومية، الأمر الذي يجعل هؤلاء غير مدركين طبيعة ما يناسبهم من أعمال. أو يكون بسبب عدم التناسب بين تخصصاتهم والوظائف المتاحة من ناحية ثانية. وإذا كانت الحكومة تبذل جهوداً حثيثة لتأهيل المواطنين لدمجهم في سوق العمل، فإن تفعيل هذا التوجّه يتطلّب أولاً دعم القدرات المهنية والعملية لهم، بحيث يتمّ تعزيز قدراتهم التنافسية في سوق العمل، وذلك من خلال المزيد من برامج التدريب الهادفة إلى تعزيز قدراتهم المهنية في مختلف المجالات. وثانياً وضع الخطط والتشريعات الكفيلة بدعم وجود الأيدي العاملة المواطنة في القطاع الخاص الذي بات يقوم بدور جوهري في الاقتصاد القومي. وثالثاً دعم المؤسسات والهيئات المنوط بها هذه القضية، بحيث تكون أكثر قدرة على التعاطي مع تحدي التوطين، خاصة في قطاعات ومجالات بعينها، يمثّل التوطين فيها مشكلة حقيقية. ـــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.