من المعروف أن حكم "الديمقراطيين" في الولايات المتحدة الأميركية غالباً ما يتسم بالضعف في مجال السياسة الخارجية، بما ينعكس سلباً على القوة الأميركية في مجال السياسة الخارجية والعلاقات الدولية. ومن الملاحظ اليوم بعد تسلم الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما مقاليد السلطة، أن هناك تحولاً جذرياً في مفاهيم السياسة الخارجية، أظهرت أوباما وكأنه يريد التكفير عن أخطاء الرئيس السابق بوش، خاصة فيما يتصل بالسياسة الخارجية، وبناء عليه يظهر الرئيس الأميركي الجديد، وهو يمد يد التعاون للجميع من دون استثناء، وهذا خطأ كبير قد ينعكس سلباً فيما بعد، على قوة وهيمنة الولايات المتحدة الأميركية، في عالم لا يزال يعاني من ظاهرة الإرهاب العالمية، وقضايا الإصلاح السياسي التي ابتدأها بوش، ولم تجد طريقها للنجاح إلا بشكل محدود، بسبب تجاهل الولايات المتحدة للأنظمة الديكتاتورية في مجال انتهاكها لحقوق الإنسان، لما تقتضيه وضع مصلحة محاربة الإرهاب على رأس الأولويات في السياسة الخارجية الأميركية، وعلى حساب الإصلاح الديمقراطي الضروري واللازم لدول الشرق الأوسط بشكل خاص، وقد شهدت الولايات المتحدة تدهوراً كبيراً على مستوى وضع الدول العظمى، خلال فترة رئاسة "الديمقراطيين"، خاصة في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، الذي وصلت فيه الولايات المتحدة إلى مستوى دول من العالم الثالث في مجال السياسة الخارجية. القوة في السياسة الدولية لا تقتصر على استعراض العضلات، بل على الممارسة الفعلية لها. فالعلاقات الدولية كانت ولا تزال وستظل، المجال الوحيد لإثبات قوة الدولة عسكرياً واقتصادياً وتقنياً، كما أنه لا مجال فيه للأخلاق، بل إن القوة كما يقرر، مكيافيللي نفسه، ليست هدفاً في حد ذاتها، بل إن الهدف الحقيقي للدولة الاستحواذ على القوة والاستزادة والحفاظ عليها. ومن خلال إبراز هذه القوة في مجال العلاقات الدولية، تتفاوت قوة الدول. وكلما زادت قوة الدولة، بالإضافة إلى قدرتها على تملك القرار النافذ لاستخدام هذه القوة ضد الغير، زاد تأثيرها في المحيط العالمي. وفي عالم اليوم لا مجال أمام الرئيس الأميركي سواء كان "جمهوريا" أم "ديمقراطيا" التخلي عن تثبيت دور القوة واحتمالات استخدامها في العلاقات الدولية لإخضاع أو حتى إيذاء الدول الأخرى. وما يفعله الرئيس الأميركي أوباما في وضعه فكرة المفاوضات والصلح في مقدمة علاقاته الدولية، إنما يضر بهيبة ومكانة الولايات المتحدة. فالعالم اليوم أسوأ من أن يتم التعامل معه باللطف واللين. صحيح أن سياسة الجزرة والعصا من أساسيات علم العلاقات الدولية، لكن استخدام العصا أمر لازم، ويجب أن تكون له الأولوية في هذا المجال. السياسة الخارجية اللينة التي تنوي الولايات المتحدة اتباعها قد تضر بمكانة أميركا نفسها، فعمل إرهابي واحد كبير في تأثيره يتم على يد أحد الإرهابيين الخارجين من معتقل جوانتانامو، وفقا لسياسة أوباما، ستضر بسمعته السياسية له، كرئيس صانع قرار، وربما تكون مدمرة لمستقبله السياسي. إذا ليس من العقل التساهل واتباع سياسة التسامح تجاه إرهابيين أثبتت التجربة عودة ما لا يقل عن ستين واحداً منهم إلى الجماعات الإرهابية. من جانب آخر فإن أي تهاون في قضية الإصلاح الديمقراطي في العالم العربي، يعني بكل بساطة الإطاحة بأحلام المؤمنين بهذا الإصلاح. وسواء اقتنع الرئيس أوباما بأن الإصلاح السياسي في الدول العربية لا يمكن إلا أن يتم من الخارج، أولاً ، فإن الخسارة الكبرى في مهادنة دول الشرق الأوسط خاصة تلك الديكتاتورية منها، ستكون في انهيار كل الآمال باحتمال حدوث تطور سياسي سواء في الديمقراطية أو تعديل مناهج التعليم . دور الولايات المتحدة في صناعة عالم اليوم، عصر العولمة، قدر لا مفر منه، وليس من السهل محاولة الهروب من هذا القدر من دون الإضرار بالآخرين، وعلى حساب سمعة الولايات المتحدة الأميركية نفسها.