بكين لا ترد "جميل" ساركوزي... وهجمات مومباي تستهدف باكستان! التجاذب بين باريس وبكين على خلفية زيارة الدالاي لاما، وتداعيات هجمات مومباي الأخيرة، ومحاولة نزع طابع التسييس عن الاستخبارات الباكستانية، موضوعات آسيوية ثلاثة حضرت بقوة ضمن اهتمامات الصحافة الفرنسية. الصين وأوروبا... ومقاطعة قمة "ليون": قرار السلطات الصينية إلغاء قمة ليون التي كان مقرراً عقدها غداً الاثنين بينها وبين الأوروبيين، أسال مداد الكثير من كُتاب افتتاحيات الصحف المحلية الفرنسية. والبداية من افتتاحية في "ليست ربيبليكن" كتبها ميشل فاجنر، الذي اعتبر أن الصينيين لم يكافئوا الرئيس ساركوزي على "السياسات الواقعية" التي اتبعها حيالهم وأدت به إلى دعم مرور الشعلة الأولمبية في باريس ثم الذهاب إلى الأولمبياد ومنح الصينيين هناك "ميدالية ذهبية" على نجاح تنظيمهم له. وها هو الرد يأتي بعد أربعة أشهر بإلغاء غير مبرر لقمة ليون، في رسالة توجه صفعة قوية ليس لأوروبا، وإنما لفرنسا بالذات، وفي المقام الأول. ومن مدينة ليون نفسها جاءت افتتاحية كتبها فرانسيس بروشيه في "لوبروجريه" قال فيها إن الدبلوماسية فن معقد حقاً. فمن المعهود فيها عادة التساؤل: هل يحق لنا الجلوس مع الشرسين، واللاديمقراطيين على مائدة واحدة؟ وهل إذا حييناهم، يتعين ألا نشد على أيديهم بقوة، وألا نبتسم في وجوههم؟ لكن مع الصين ها نحن نرى العكس تماماً. فالشرسون هم الذين يرفضون المجيء إلينا في "ليون"، أو الجلوس معنا هنا، فقط بسبب زيارة الدالاي لاما. ويرى الكاتب أن زيارة الزعيم الديني التيبتي إذا كانت وحدها كافية لمقاطعة بلد ما، فإن على الصينيين أن يمتنعوا عن السفر إلى جميع دول العالم، باستناء كوبا وكوريا الشمالية، وأوكار بعض الخلايا "الماوية" في أزقة الدائرة الرابعة بباريس. وبمناسبة الكلام عن لائحة من يستقبلون الدالاي لاما، فثمة خبر عاجل ربما يستحق رفعه إلى الغاضبين الآن في بكين. فمن المقرر أن يلتقي الزعيم الديني التيبتي قريباً بليخ فاليسا أيضاً. وللعلم فهذا الأخير هو من أسقط النظام الشيوعي في بولندا. 11 سبتمبر هندي: تحت هذا العنوان عنونت صحيفة لوفيغارو افتتاحيتها ليوم أمس السبت، مشيرة إلى أن مدينة مومباي توصف عادة بأنها "نيويورك الهند"، ولعل هذه الإحالة الذهنية هي ما دفع الكثيرين الآن إلى تسمية هجمات مساء الأربعاء الماضي العنيفة التي كانت مسرحاً لها بـ"11 سبتمبر الهندي"، خاصة أن الاستهداف المنسق والمتزامن لمواقع بالغة الرمزية والأهمية في المدينة، عرفت بارتياد الأجانب لها من أميركيين وأوروبيين وإسرائيليين، زاد المؤشرات باحتمال وجود بصمات أو أيدٍ لتنظيم "القاعدة" فيها، إن لم يكن بتدبيرها بشكل مباشر، فعلى الأقل من خلال تأثر المهاجمين بطريقتها المعروفة. وهذا ما استنتجه المتخصصون في هذا الشأن من شدة تعقيد العملية، وتعدد نقاط الاستهداف المتزامن من قبل فرق المهاجمين. ويمكن استنتاج مسعى المهاجمين لاستهداف الغرب خاصة. هذا إذا كان استهدافهم للنموذج الهندي لا يحتاج إلى تنويه. فمن خلال ضرب مومباي يراد إلحاق أكبر أذى ممكن بالهند باعتبارها إحدى أرسخ الديمقراطيات، وأكثرها الآن نجاحاً اقتصادياً. وكان ملفتاً تركيز الصحافة المحلية الهندية على استدعاء أوجه الشبه بين ما جرى في مومباي وبين الهجوم على برجي مانهاتن سنة 2001. والحال أننا اليوم في أجواء غير أجواء سنة 2001، عندما كان عهد حكم الرئيس بوش في بدايته، فقد انتخب منذ أسابيع قليلة الرئيس باراك أوباما، ليكون سيد البيت الأبيض الجديد. وقد أصبحت باكستان، أو بكلمة أدق مناطقها القبلية، في عين العاصفة بالنسبة للمواجهة مع الإرهابيين. ولذا، ونظراً لاعتبارات تاريخية كثيرة، اتجهت أصابع الاتهام إلى أطراف داخل باكستان بمجرد وقوع هذه الهجمات في غريمتها التقليدية الهند. وكان ملفتاً أن الاتهامات لم توجه هذه المرة للحكومة في الدولة الجارة، وإنما إلى المجموعات "الجهادية" هناك. أما في الهند نفسها فقد وقعت هذه الهجمات في وقت اقتربت فيه الانتخابات العامة، التي يتعين إجراؤها قبل شهر مايو 2009، وباتت الحكومة في وضع سياسي مزعرع. ومن هنا يمكن توقع دور مركزي لهذه الهجمات في سجالات الحملات الانتخابية الوشيكة، مع ارتفاع محتمل لأسهم المزايدات الانتخابية، والتشنجات الدينية. وتنتهي لوفيغارو إلى أن الهدف الأول لمدبري الهجمات هو إثارة القلاقل في الهند تزامناً مع تداعيات الأزمة المالية العالمية الكبيرة. ولكنَّ هذا ليس هو هدفهم الوحيد. بل إن خلق المصاعب والمشاكل للحكومة المدنية التي انتخبت في إسلام أباد بعد مقتل بينظير بوتو بإعادة توتير جبهتها مع نيودلهي. ويمكن القول إن الرئيس زرداري يجد نفسه اليوم في وضع بالغ الصعوبة. فقد وجهت ضربة قوية لمساعيه الحثيثة للتقارب مع الهند، ولمواجهة "الجهاديين"، الذين بضربهم لمومباي يعتقدون أنهم فتحوا عليه أخطر الجبهات. وختاماً فإن هذا الـ11 سبتمبر الهندي يعد هو أول تحدٍّ صاخب يوجه لأوباما، الذي ما فتئ يعد بإعطاء أولوية لهزيمة الإرهابيين، ليس فقط في أفغانستان، بل أيضاً في بعض مناطق باكستان. تقدم في باكستان: صحيفة لوموند نشرت افتتاحية خصصتها لتحليل الدلالات السياسية لقرار الحكومة الباكستانية العمل على نزع أية صفة تسييس عن أجهزة الاستخبارات العسكرية، وذلك بإعلانها عن إغلاق "القسم السياسي" من الاستخبارات المشتركة المعروفة اختصاراً باسم ISI، وهو قسم كان معروفاً عادة بقوة نفوذه ضمن الأجهزة الاستخبارية، ما يعني، استطراداً نية إسلام آباد تعزيز قبضة نظام الحكم المدني، من الآن فصاعداً. ولاشك أن في مثل هذه الخطوة الكثير من دواعي سرور العواصم الغربية، وذلك لأن استقرار باكستان، وهي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية وتواجه تحديات الإرهاب، يعنيها في المقام الأول. ومن ثم فإن كل ما من شأنه ترسيخ جذور الديمقراطية في "بلاد الأنقياء" ينبغي أن يكون محل إشادة وتشجيع. وليس هنالك شك في أن مكتب ISI ظل على الدوام محنة ونقمة على الديمقراطية الباكستانية. فقد بقي هو صاحب اليد العليا في توجهات سياسة البلاد منذ استقلالها عام 1947. وكان عملياً هو من يصنع الحكومات، ويطارد المعارضين، ويزوِّر الانتخابات، كيفما شاء. ويمكن اعتبار "حزب الشعب الباكستاني"، بزعامة عائلة بوتو، الذي يتولى زمام الأمور الآن، في مقدمة ضحايا ذلك المكتب الاستخباري الذي حرم البلاد طويلاً من نيل التجربة الديمقراطية، التي تستحقها، والتي أدى الفراغ الناجم عن غيابها في الحقيقة إلى انفلات شبح التطرف الإسلامي من قمقمه، وإلى تهميش الليبراليين. وترى لوموند أن إلغاء هذه الجهة الاستخبارية، لا يكفي وحده لترسيخ الديمقراطية، مع أهمية إسهامه في ذلك، دون شك. ويستحسن عدم الخلود إلى الأماني الساذجة أيضاً في قراءة ما جرى. ذلك أن إلغاء نشاط ISI في الداخل الباكستاني لا يعني بالضرورة إلغاء نشاطه في الخارج. وليس سراً أن هذا المكتب قد "ألهم" في يوم ما الكثير من الجماعات المتشددة في كشمير وأفغانستان. وبعض ضباطه كانوا معروفين سابقاً بصلات مع "طالبان" وجماعات أصولية غيرها. وفك حالة تشبيك من هذا القبيل، كما تدعي كابول ونيودلهي والعواصم الغربية إن صحت، سيكون أصعب بكثير. وذلك لأنها تمس ما يعتبره كثيرون مصالح استراتيجية لإسلام آباد. لأن الباكستانيين ما زالوا بحاجة إلى موالين في مواجهة عدوهم التقليدي الهند. وإذا عرفنا أن أفغانستان شهدت خلال السنوات الأخيرة تنامياً ملحوظاً للحضور الهندي، يغدو في متناول الفهم تحولها إلى ساحة تنافس بين جارتيها القويتين. ولذا فإنه يتعين على الهند المساعدة من طرفها في تنقية الأجواء الإقليمية من أسباب التوتير، لأن ذلك وحده هو ما سيسمح لقرار باكستان بحل ISI بأن يكون فعالاً وإيجابياً لجهة آثاره على ترسيخ الديمقراطية. إعداد: حسن ولد المختار