من أهم التحديات التي تواجه الإمارات في هذه المرحلة وتؤثر في مسيرتها نحو المستقبل هاجس التنمية الشاملة والمستمرة. بهذا الصدد، يمكن القول إن منهج الأمن الشامل يتكون من عنصرين: هما الأمن الوطني بمفاهيمه الشاملة، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بمفاهيمها الشاملة أيضاً، هذان العنصران متلازمان، لا يمكن تحقيق أي منهما دون تحقيق الآخر. ويمكن القول إجمالاً إن المحتوى المجتمعي للأمن البشري الشامل يتكون من أربعة عناصر متداخلة وتتفاعل بشكل وثيق مع بعضها بعضاً هي: أولاً، الأمن الشخصي أو الفردي القائم على العدالة والإنصاف والمساواة بين المواطنين جميعاً دون تمييز وإنصاف المرأة عن طريق منحها كافةَ حقوقها الأساسية، خاصة على صعيد الحقوق المدنية، وعلى احترام الآخرين. الأمن الشخصي -باختصار- يعني أن يصبح الإنسان متحرراً من الخوف والجهل والمرض والظلم، وأن يكون متأكداً من سلامته الشخصية وآمناً على عرضه وماله وولده. أما العنصر الثاني فهو أمن الرزق، أي الأمن الاقتصادي القائم على وجود ضمانات للحصول على حد أدنى من الدخل الفردي الذي يحقق لقمة العيش للنفس ومن تعوله كافة، وعلى المداخل المناسبة للحصول على المسكن اللائق والرعاية الاجتماعية المناسبة خاصة لكبار السن والأطفال ومن في حكمهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، وعلى التعليم المناسب بكافة مراحله، وعلى الرعاية الصحية العصرية في أرقى صورها المتواجدة في عالم اليوم. والعنصر الثالث هو الأمن السياسي القائم على انهماك شعبي في تحقيق مصالح الوطن وماله من حق غير قابل للنقاش على مواطنيه لحمايته والدفاع عنه وعن مصالحه في كل لحظة وعلى جميع المستويات وكافة الصور. ويدخل ضمن ذلك، دور المواطنين في اتخاذ القرار المناسب من قبل عناصر قادرة حق المقدرة على القيام بذلك بعد تأهيلها بشكل مناسب وإعدادها إعداداً صحيحاً للاضطلاع بأدوارها المرسومة لها. ذلك يعني أن العامة يجب أن تكون ذات مستوى ثقافي وتعليمي مناسب وعلى علم بمجريات الأحداث التي تدور من حولها. أما العنصر الرابع والأخير، فهو الأمن الخارجي المرتبط بمفاهيمه العسكرية القائمة على الحق المشروع في الدفاع الصرف عن النفس والوطن، ويحمل ذلك الحق المشروع ضمن ثناياه تبني مواقف واضحة لا تستفز الآخرين ولا تستعديهم، وعلى رفض تطوير واستخدام أسلحة الدمار الشامل بكافة تصنيفاتها خاصة الأسلحة النووية والجرثومية. وبالتأكيد، فإن تحقيق هذا الجانب يتطلب عدم وجود أسلحة من هذا النوع لدى الآخرين المحيطين بالإمارات أو القريبين من جوارها الجغرافي ويشكلون خطراً جسيماً مباشراً أو غير مباشر على أمنها واستقرارها ومستقبل مواطنيها، كما يتطلب أيضاً تطوير علاقات تعاون وصداقة فعالة ومثمرة مع الجيران المحيطين بها، ومن هم في جوارها الجغرافي الأبعد مدى شرقاً وغرباً، شريطة أن يكون أولئك مستعدين لتأدية ماعليهم من استحقاقات تتعلق بهذا الجانب. في دولة الإمارات يوجد تخطيط مركزي تلعب فيه الدولة دور الريادة، وإنْ كان المنهج يقوم على وجود اقتصاد رأسمالي حر على الطريقة الغربية، وهذا المنهج آخذ في التوسع والترسخ. ورغم نشاط القطاع الخاص واضطلاعه بأدوار تزيد من نطاق الملكية الفردية لرأس المال المتاح، فإن الدولة تلعب الدور الأساسي في دعم البنى الأساسية والتحتية، لأن العملية لاتزال في بداية تطورها. ويلاحظ بهذا الصدد أنه رغم تشابه ظروف الإمارات مع دول العالم النامي الأخرى في جوانب محددة، فإن عملية التخطيط خاضعة إلى حد كبير لقيادة وإبداع الخبرات المواطنة التي تعلمت تعليماً حديثاً يؤهلها للقيام بذلك. من جانب آخر، يلاحظ وجود سلسلة من الممارسات التخطيطية الحديثة على صعيد الجهود المتعلقة بالاقتصاد أثبتت نجاحها بشكل واضح وأوصلت الاقتصاد الوطني إلى تشكيل قاعدة من تنوع مصادر الدخل. وهذا يقودنا إلى القول إن استمرار نجاح تجربة الإمارات الاقتصادية يعتمد كثيراً على مستوى التخيط السليم الذي يتم وتقوم به كوادرها المواطنة. وهذا يعني التخطيط للاستخدام العقلاني للموارد الطبيعية والموارد الأخرى المتواجدة، والذي يقود إلى استغلالها بطريقة مثلى مدروسة ومقننة وفقاً لمبادئ لا إفراط ولا تقتير، وذلك عن طريق استخدام وسائل وطرق عملية إما تساعد على الحفاظ على ماهو موجود منها لدرء نضوبه بسرعة، أو تساعد على توليد ما تمكن إعادة توليده من الموارد والخدمات بطريقة أفضل وتكوين مخزون احتياطي استراتيجي من تلك الموارد يتم اللجوء إليه وقت الحاجة.