مصر قلب الوطن العربي، يمتد أمنها القومي جنوباً إلى السودان حيث منابع النيل، وشمالاً إلى الشام مصدر الغزوات منذ الهكسوس قديماً حتى الصهيونية حديثاً، وغرباً إلى المغرب العربي من حيث قدم الفاطميون في العصر الإسلامي والاستعمار الأوروبي حديثاً، وشرقاً إلى شبه الجزيرة العربية حيث أمن البحر الأحمر، ومن شمالها أتى "قمبيز" قديماً عبر سيناء. وهو ما حاول محمد علي باني مصر الحديثة القيام به بقوة الجيش في السودان واكتشاف أعالي النيل، وفي الشام بفتح عكا قبل أن تأتيه الضربة من الغرب، من البحر الأبيض المتوسط، وحصار الأسطول المصري بين الأسطولين البريطاني والفرنسي في موقعة نوارين البحرية في 1827 ثم احتلال مصر في 1882. وإيران دولة من دول الجوار في الشرق مثل تركيا في الشمال، وأفريقيا جنوب الصحراء في الجنوب، وأوروبا من الغرب. يربطها بالوطن العربي الجوار الجغرافي في الحدود والمياه الإقليمية المتجاورة والعلاقات التاريخية قبل الإسلام وبعده، الدين والثقافة والمصالح المشتركة والأمن المتبادل. تمثل مركز اهتمام للجناح الشرقي للوطن العربي. ليست بعيدة عن القاهرة ولا عن المغرب العربي. فالتاريخ الحضاري يقرب المساحات الجغرافية. ارتبطت بالثورة العربية في التاريخ الحديث منذ تأميم مصدق للبترول في 1954 الذي كان نموذجاً لتأميم ناصر لقناة السويس في 1956. وكان عبدالناصر يمد الخميني وهو بالعراق بالسلاح ضد الشاه، العدو المشترك، فلما انقلبت الثورة المصرية على نفسها استقبلته بعد أن كان طريداً معلقاً في الهواء لا يجد أرضاً تستقبله حياً أم ميتاً. وقطعت مصر علاقتها بإيران منذ اندلاع الثورة في 1979 وحتى الآن. والحقيقة أن الدافع -في نظر البعض- كان الخوف من المد الثوري أن ينال مصر في بداية الثورة، وبعد رفع شعار تصدير الثورة كما وضعه عبدالناصر في الخمسينات والستينات لصالح الثورة العربية لإكمال حركة التحرر الوطني العربي في الخارج والداخل، ضد الاستعمار و"الرجعية". لماذا الصراع العربي/ الإيراني القائم على مفهوم ضيق للقومية وقد وحد الإسلام بين الشعبين، والإسلام تحمله أكثر من قومية، عربية وفارسية وتركية وعديد من القوميات في أفريقيا وآسيا؟ لماذا الصراع الإيراني/ الخليجي والتاريخ المشترك على ضفتي الخليج قادر على حل المشاكل الجغرافية وقضايا الحدود التي لا تخلو منها أي حدود بين دولتين عربيتين: المغرب والجزائر، مصر وليبيا، مصر والسودان، مصر وفلسطين، سوريا ولبنان، سوريا وفلسطين... الخ؟ لماذا الصراع الإيراني/ العراقي؟ لماذا الصراع الإيراني/ المصري منافسة بين مركزين متكاملين، مصر قلب الوطن العربي، وإيران في آسيا، ومصر في آسيا وأفريقيا والحقيقة هي الخوف من المد الأصولي في مصر على رغم نهاية شعار "تصدير الثورة" وبداية شعار التعاون والتكامل والمصالح المشتركة والعدو المشترك؟ هل من المعقول أن تبقى العلاقات بين مصر وإيران مقطوعة على مدى ما يقارب الثلاثين عاماً وعلى رغم تعاقب أربعة رؤساء جمهورية في إيران. قد يكون هناك تناقض أحياناً بين مصالح دولتين متجاورتين مثل فرنسا وألمانيا أو قارتين مثل أوروبا وأميركا أو معسكرين مثل الرأسمالي والاشتراكي. إنما السؤال: هل هو تناقض رئيسي يمنع من التعاون والتكامل ويبقي الصراع قائماً إلى الأبد مثل التناقض بين العرب وإسرائيل والتناقض بين التحرر والاستعمار، أم هو تناقض ثانوي يمكن التعايش معه بالتعاون والتكامل وتبادل المصالح والحلول الوسطية؟ أليس التناقض الرئيسي بين العرب والإيرانيين من ناحية، والعدوان الصهيوني من ناحية أخرى؟ ألا يواجه كلاهما مخاطر مشتركة واحدة في الخارج، الاحتلال والتهديد بالعدوان، وفي الداخل، التجزئة والفقر والتخلف؟ لقد بدأت مصر تتحرك على الصعيد الخارجي بعيداً عن الولايات المتحدة، مع أوروبا في الاتحاد المتوسطي، ومحاولتها الانضمام إلى مجموعة الثماني. وبدأت تحركها في الدوائر التقليدية لمحيطها مثل الهند بعد تفتت يوغوسلافيا. وبدأ تحركها داخل الوطن العربي محاولة لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية لتقوية الجبهة الداخلية في فترة حاسمة من الصراع العربي/ الإسرائيلي. وبدأت تحركها نحو الجنوب في السودان إلى جنوب السودان حماية لوحدته من مخاطر التجزئة والتفتيت في الجنوب والشرق والغرب. فالعدو الرئيسي هو التخلف، تخلف الجنوب عن الشمال وليس السلطة كما هو الحال في الصومال. وبدأت تحركها في لبنان باستقبال كل الفرقاء من أجل حوار وطني يحفظ للبنان وحدته وسيادته واستقلاله. فلماذا لا يستمر التحرك لتحقيق المصالحة بين سوريا ولبنان بداية بتدفئة العلاقات بين مصر وسوريا على رغم اختلاف المواقف والرؤى السياسية؟ ولماذا لا تمتد ذراع مصر إلى المصالحة بين المغرب والجزائر لفتح الحدود بينهما لكي لا يعاني الشعبان حتى وإن بقيت قضية الصحراء معلقة بين البلدين الشقيقين، وقد قام الرئيس من قبل وهو نائب بنزع فتيل القتال بعد أن كادت الحرب تقع بينهما؟ ولماذا لا تمتد ذراع مصر لتحقيق المصالحة بين الصوماليين، والصومال عضو بجامعة الدول العربية، يهدده الموت بسبب الحرب الأهلية بين الفرقاء أو بسبب الجوع والعطش والتهجير؟ ولماذا لا تحاول مصر المصالحة بين السودان وتشاد بدلاً من الحروب الحدودية بينهما وتدخل كل منهما في شؤون الآخر لتغيير نظامه السياسي بقوة السلاح؟ ولماذا لا تمتد ذراع مصر إلى موريتانيا لتحقق المصالحة الوطنية بين الرئيس المعزول والجيش الذي انقلب عليه، وتترك الأمر لفرنسا أو للاتحاد الأوروبي، وموريتانيا عضو بجامعة الدول العربية؟ ورصيد مصر التاريخي والجغرافي والثقافي والعلمي يجعلها قادرة على أن تقوم بهذا الدور، وهي من مؤسسي منظمة الوحدة الأفريقية أو الاتحاد الأفريقي. ولماذا لا تقوم مصر بدور الوسيط بين دول مجلس التعاون وإيران لحل قضية الجزر الإماراتية المحتلة، مما قد يدفعها أولًا إلى إعادة العلاقات بينها وبين إيران حتى تقوم بهذا الدور من أجل تطبيع العلاقات بين الضفتين. إذا استمرت مصر في الخروج من عزلتها والقيام بدورها الطبيعي ورسالتها التاريخية، فإنها قادرة على أن تمد يدها إلى الإدارة الأميركية الجديدة بموقف سياسي جديد، موقف الند والشريك المساوي وليس كما فعلت مع الإدارة الأميركية المنصرمة. وكما تتغير سياسة واشنطن مع الإدارة الأميركية الجديدة تجاه بعض ملفات المنطقة، وتتحول من العداء إلى الحوار، ومن التهديد إلى المصالحة، فقد تنظر إلى الوطن العربي نظرة أخرى دون استعلاء عليه، وتنكر لمصالحه وقضيته الأولى في فلسطين. وإذا اتجهت مصر نحو الهند من جديد لتعيد أيام نهرو فإنها قادرة على أن تمد ذراعها إلى ماليزيا وإندونيسيا لتستعيد أيام سوكارنو ومهاتير. وللبشر قيمة لا تقل عن الصناعة والتجارة والمشاريع المشتركة. كل شيء له نهاية. والسياسات تتغير. ويتساءل الناس في الداخل والخارج، أين مصر؟ أين حاضرها مقارنة بماضيها؟ يخافون على مستقبلها. ومن لا ينقل نشاطه إلى الخارج ويتقوقع على نفسه فإنه يواجه مخاطر التجزئة والتفتيت. وشرط ذلك كله معافاة مصر، وترتيب البيت من الداخل، وتحقيق المصالحة الوطنية بين الطبقة السياسية والشعب، بين مصالح الأقلية ومصالح الأغلبية.