اعتبر الكثيرون هذا الكتاب "القانون والحرب الطويلة: مستقبل العدالة في عصر الإرهاب" لمؤلفه بنجامين وايتس، أول تناول نقدي غير حزبي من نوعه، يتعلق بجبهة حاسمة من جبهات الحرب على الإرهاب، ألا وهي جبهة المعارك القانونية ذات الصلة بالحرب، سواء داخل إدارة بوش، أم في كل من الكونجرس والمحكمة العليا الأميركية. فبعد مضي ست سنوات على هجمات 11 سبتمبر، يبدو أن أميركا تخسر إحدى أهم جبهاتها على الإطلاق. وليس لهذه الخسارة صلة بتنظيم "القاعدة"، بقدر ما تتصل بأمر ذاتي يتعلق بفشل أميركا في تشريع جملة القوانين اللازمة لحماية مواطنيها، وأجهزتها التنفيذية ونظامها الدفاعي، في مواجهة نوع جديد من أنواع الخطر لم يسبق أن واجهت مثيلاً له. ولما كان الكتاب قد صدر في فترة أفول إدارة بوش، فهو يحلل من موقع مستقل لا حزبي، التركة القانونية المقلقة التي سوف تخلفها إدارة بوش وراءها، إلى جانب تناوله لأوجه قصور الكونجرس والمحكمة العليا في التصدي للانتهاكات الصارخة المنسوبة لإدارة بوش في إطار حربها على الإرهاب. وبهذا التحليل يتفرد الكتاب بمناقشته لقضايا الحريات المدنية وحقوق الإنسان في علاقتهما بجهود مكافحة الإرهاب. ولا يقف المؤلف عند حدود النقد والمناقشة، بل يضع خريطة طريق للكيفية التي يمكن بها للإدارة الجديدة أن تتصدى لواجباتها التشريعية والقانونية ذات الصلة بالحرب الدائرة. وفي مناقشة بنجامين وايتس -مدير أبحاث القانون العام بمؤسسة بروكنجز- تجاوز للعثرة القائمة بين مسؤولي الجهاز التنفيذي، الذين تنسب إليهم هندسة سياسات مكافحة الإرهاب من جهة، وأولئك الذين ينظرون إلى المؤسسة القضائية باعتبارها ضماناً أساسياً لحماية الحريات والحقوق المدنية. فمن رأيه أن المشكلة الرئيسية هي عدم سعي الكونجرس إلى القيام بواجبه في سن مجموعة من التشريعات لا تزال الحاجة ماسة وقائمة لها، يفترض أن تحكم وتقيد مجمل الإجراءات والقرارات الخطيرة التي اتخذتها إدارة بوش في إطار جهودها لمكافحة الإرهاب. وفي مناقشة الكاتب لهذه القضايا، الكثير مما يتوقع له أن يثير الجدل واختلاف الآراء. فمثلاً يرى الكاتب أن أكبر جانب أخفقت فيه إدارة بوش لا يقتصر على فتور همتها وارتخاء عزمها في خوض حربها على الإرهاب وملاحقة قادته فحسب، وإنما يشمل قبل ذلك انفراد جهازها التنفيذي وحده بخوض الحرب، دون الاستعانة بدعم الأجهزة والهيئات الأخرى، خاصة الهيئات التشريعية والقانونية. وعلى إثر إجرائه دراسة تطبيقية على حالات الكثيرين من سجناء الحرب في جوانتانامو، توصل الكاتب إلى أن المعضلة القانونية الرئيسية التي تواجهها الإدارة هناك، هي عدم سعيها لدعم كل من الكونجرس والسلطة القضائية في مجمل القرارات الخلافية الخطيرة التي اتخذتها بحق سجناء الحرب. وأثبت المؤلف أثناء مناقشته لسلوك الإدارة في هذا الصدد، عنادها ورفضها التام لمشاركة أي من الجهتين أعلاه، في تحمل المسؤولية السياسية عن القرارات والإجراءات التي اتخذتها الإدارة بحق المعتقلين، مع العلم أنها تمثل انحرافاً واضحاً عن تقاليد العدالة والقيم الأميركية، سواء من ناحية عدالة الإجراءات القانونية المتبعة ضد الأسرى والسجناء، أم من ناحية المعاملة الإنسانية اللائقة للمعتقلين. والحق أن التحدي القانوني المستمر الذي أثارته قضية "سالم حمدان" والكثيرين غيره من معتقلي الحرب، يطالب أميركا بتوفير الضمانات والحماية اللازمتين ضد كل من الإرهاب وعسف الجهاز التنفيذي وانتهاكاته للقانون. ومن حيث الشكل ومنهج التناول، فقد بدأ المؤلف بعرض ومناقشة قوانين وتشريعات الحرب القائمة قبل 11 سبتمبر، خاصة تلك التي حكمت معاملة أميركا لسجناء الحرب الأهلية والحرب العالمية الثانية، مناقشاً الكثير من الأمثلة المحددة. ثم عرج بعد ذلك على "قانون الوطني". وبعد أن أفاض في تفنيده ونقده، انتقل إلى نقد ضعف استجابة الكونجرس والمحكمة العليا لانتهاكات الإدارة الواضحة في اعتقال السجناء وأساليب التحقيق معهم، والإشراف عليهم في المؤسسات العقابية التي احتجزوا فيها. وكما سبقت الإشارة فإن الإخفاق الرئيسي الذي عزاه الكاتب للإدارة الحالية هو عجزها عن مشاركة الكونجرس في كل قراراته وإجراءاته المتعلقة بمعاملة واعتقال سجناء الحرب، في انتهاك صريح لنصوص معاهدة جنيف الخاصة بأسرى الحرب. وكان "جون يو" هو من أفتى للإدارة تشريعياً بالقول إن نصوص معاهدة جنيف لا تنطبق على أسرى الحرب على الإرهاب. وهذا ما أخذت به الإدارة دون مراجعته أو رده إلى الكونجرس. ويختتم المؤلف بالقول إن سبيل الخروج من المأزق القانوني الحالي، والتقدم للأمام نحو تحقيق العدالة في النزاع المستمر مع الإرهاب، بما يحفظ حقوق المعتقلين ويعيد أميركا إلى تقاليد قيمها وعدالتها القانونية، يكمن في تشريع مجموعة من القوانين، تغطي قضايا الاعتقال والتحقيق والمحاكمة والإشراف على المعتقلين ومعاملتهم. وبالطبع لا بد أن تتوافق هذه التشريعات ونصوص معاهدة جنيف وغيرها من المعاهدات الدولية الخاصة بقوانين الحرب ومعاملة الأسرى. عبدالجبار عبدالله الكتاب: القانون والحرب الطويلة: مستقبل العدالة في عصر الإرهاب المؤلف: بنجامين وايتس الناشر: مجموعة بنجوين للطباعة والنشر تاريخ النشر: 2008