يستكمل "ظفر الدين سردار" المؤلف والصحفي البارز و"ميريل وين ديفيز" المؤلفة وعالمة الأنسنة والمنتجة السابقة للبرامج الدينية في محطة "بي. بي. سي"، في كتابهما الجديد المعنون: "هل ستتغير أميركا؟" كتابهما السابق الذي حقق نجاحاً كبيراً في حينه وهو: "لماذا نكره أميركا؟". والطرح الأساسي في كتابهما الجديد مؤداه أن أميركا يجب أن تشرع في تغيير نفسها بسبب التشويه الذي لحق بصورتها خارجياً خلال سنوات إدارة بوش، والمشكلات العديدة التي تواجهها في الداخل، والسياسات والإجراءات الخاطئة التي طبقتها في إطار استراتيجية الحرب على الإرهاب، والتي تكاد لا تختلف في شيء عن تلك السياسات والإجراءت التي تلجأ إليها الأنظمة الاستبدادية في العالم الثالث. وفي سبيل التدليل على صواب ما يدعوان إليه يحلل المؤلفان وسائل الإعلام الأميركية المختلفة، وعروض هوليوود الدرامية، كي يثبتا أن المواد التي تنتجها تحتوى على ما يكفي من الأدلة لإثبات أنها تنطلق من أيديولوجية إنعزالية وعدائية. فأميركا تنظر إلى ذاتها باعتبارها أقوى دولة على وجه الأرض، وأعظم أمة في التاريخ، وأن ذلك يفرض على الآخرين أن يسيروا على نهجها إذا ما أرادوا التقدم، وأنه لا وجه للمقاربة بينها وبين أي أمة أخرى، ولا سبيل للمقارنة بين ثقافتها المتفوقة والمهيمنة وأي ثقافة أخرى في أركان المعمورة. ويتهم المؤلفان أميركا صراحة بأنها قد أخفقت في تطوير فهم متعاطف مع الثقافات الأخرى في العالم، وتنظر إلى تلك الثقافات على أنها من درجة أقل، أو محصورة في نطاق جغرافي معين لا تتجاوزه في أحسن الأحوال، وأن ثقافتها المهيمنة التي تصل إلى كل مكان هي التي جعلت منها جنة المهاجرين، وحلم المقهورين، وأرض الفرص التي تساوي بين الجميع. ويقدم المؤلفان فصلين كاملين عن الأساطير المؤسسة، والسرديات الكبرى التي روجت لصورة أميركا ومكانتها المتميزة في العالم، وكيف أن الصورة التي عملت "هوليوود" على ترويجها عبر عقود طويلة من الزمن عن الفرد الأميركي هي صورة البطل الشجاع الذي يحمل دوماً سلاحه معه، كي يتصدي به للشر، ويقاوم الظلم، أما الصورة التي عملت على ترويجها عن سكان أميركا الأصليين من الهنود الحمر فهي صورة القبائل البدائية المتوحشة التي تقطع رؤوس البيض الذين جاؤوا كي يخرجوهم من حياة الهمجية والتخلف التي كانوا يحيونها. ويلفت المؤلفان نظر القراء إلى أن نظرة هوليود إلى سكان أميركا الأصليين، تشبه إلى حد ما نظرة الأميركيين إلى بقية الشعوب خصوصاً الفقيرة أو المتخلفة حالياً، وأن هذه النظرة قد لعبت دوراً في إرساء بعض الأسس التي تنهض عليها السياسة الخارجية الأميركية الحالية وهي السياسة التي تدفع أميركا إلى التضييق على شعوب العالم، وتجعلها لا تتورع عن غزو واحتلال أراضي الغير إذا ما ارتأت ذلك. ويناقش المؤلفان أيضاً النظرة الاستعلائية التي ينظر بها الأميركيون نحو العالم والتي ترى أن بلدهم ونتيجة لأنه أقوى دولة في العالم في كافة المجالات، يجب أن يكون هو من يضطلع بعملية تعريف الديمقراطية وأساليب تحقيقها، وأنه هو الذي يجب أن يقوم بتعريف العدالة، والحرية، والإرهاب، وأن يقرر خوض حرب عالمية على ذلك الإرهاب، وأن يفرض على الآخرين أن يشاركوا فيها وإذا لم يفعلوا ذلك فهم "ضد" أميركا وليسوا "معها" حسب عبارة بوش الشهيرة غداة أحداث 11 سبتمبر. ليس هذا فحسب بل إن من حقها أيضاً أن تُعرّف الأصولية الدينية، ومن هو الأصولي ومن هو المتطرف ومن هو المعتدل، وكيفية مواجهة التطرف الأصولي! ينتقد المؤلفان كل ذلك، ويدعوان أميركا، خصوصاً مع مقدم "باراك أوباما"، الرجل الذي وعد بالتغيير، أن تحطم الأساطير التي التصقت بها منذ نشأتها، وأن تنظر إلى أنفسها بصورة نقدية، وأن تكون أكثر إنسانية في علاقاتها مع الآخرين، وأكثر انفتاحاً على العالم، وأن تتخلى عن هذه العزلة التي يحسها أي زائر جديد لأميركا عندما يفاجأ بأن الفرد الأميركي العادي منعزل تماماً عن العالم الخارجي، وأنه لا يأبه سوى بمتابعة أخبار مدينته، وفريقه المحلي، ولا يقرأ في الصحف إلا أخبار الرياضة وقراءة الطالع، وليس لديه رغبة النظر خارج مدينته أو ولايته على أحسن تقدير، ناهيك عن أن ينظر عبر المحيطين الهادي والأطلسي. ويؤكد المؤلفان في نهاية كتابهما على أنه ليس كتاباً نقدياً بحتاً يسعى إلى تلمس الأخطاء والعيوب، ويركز على الإدانة، وأن كل ما جاء فيه لا ينفي أن هناك العديد من الشخصيات الأميركية العظيمة التي تمتلك البصيرة النافذة والإلهام والتي ساهمت بجهد كبير من أجل تطوير البشرية عبر العصور. سعيد كامل الكتاب: هل ستتغير أميركا؟ المؤلفان: ضياء الدين سردار، وميريل وين ديفيز الناشر: أيكون بوكس ليمتد تاريخ النشر: 2008