في كتابه "الإسلاميون... سجال الهوية والنهضة"، يقدم لنا نواف القديمي تجربة فكرية وصحفية جرت في عمق الأزمنة التي احتضنت أكثر سجالات السياسة والفكر والدين سخونة وحدة، الأزمنة المهمة التي سبقت أحداث 11 سبتمبر الشهيرة بشهور وامتدت بعدها لسنين، وفي بلد مثل السعودية، كان في عين العاصفة وعمق الأحداث. كان المؤلف معنياً بإعداد ملف صحفي حول قضية فكرية ما، وبشكل دوري، وفي كل مرة يكتب مقدمة تحدد الإطار النظري لنقاش الطرفين المتحاورين، تليها مداخلات المشاركين. هذه التجربة التي دشنتها ابتداءً صحيفة "المحايد"، ثم استمرت على صفحات "الشرق الأوسط" اللندنية، مثلت نوعاً من التدوين لطبيعة الجدل الدائر في حينها، لاسيما حول موضوعات الظاهرة الإسلامية وهمومها. وكما يقول فكل الآراء التي صيغت في تضاعيف هذا الكتاب، تتوزع بين دائرتي "الهوية" و"النهضة"، وذلك ما يلاحظه القارئ للسجالات التي احتواها الكتاب في حيز يتجاور 330 صفحة، ويتوزع على سبعة أبواب: "موسم العنف... وسؤلات المعرفة"، "قلق الإسلام السياسي"، "حلم النهضة"، "سجالات الصحوة والتنوير"، "جدل الديمقراطية"، "تضخم الفقيه... وتضاؤل المرأة"، "أحاديث الحرية". وتحت هذه الأبواب نجد طيفاً واسعاً من المشكلات والمسائل التي يتناولها سجال التيارات الليبرالية والإسلامية في المنتديات والبرامج الإعلامية. يتساءل القديمي حول ما إذا كانت "أسلمة المعرفة"... تقودنا نحو "الإسلام الشمولي"؟ وفيما يجيب الدكتور عبد الوهاب المسيري قائلاً إنها "محاولة لتحرير الفكر الإنساني من انحياز المعرفة في الغرب ونزعته المادية"، يرى عبدالعزيز الخضر أنها تقوم أساساً على "تضخيم الانحياز المعرفي وتحجيم المشتركات الإنسانية والتقليل من شأن الحياد العلمي"، ومثله يعتقد علي حرب أنها "ردة فعل عقائدية على التفوق المعرفي الغربي وتغليب لعقلية الدعوة والنضال على لغة الفهم والمعرفة". ثم يطرح المؤلف سؤالاً آخر على طرفي سجال "الهوية" و"النهضة": أيهما أسبق... النزوع الفطري أم التطرف الفكري؟ وهنا أيضاً نجد مواقف متباينة للغاية؛ فبينما يشدد الدكتور محمد العوضي على دور التنشئة الاجتماعية موضحاً أنه لا توجد في البنية التكونية للإنسان غدد خاصة بالتطرف، ويعتبر الدكتور ضياء رشوان أن نشاط الأيديولوجيا والأفكار ذات الطبيعة المتطرفة، يعود إلى الفوضى واضطراب المعايير التي تحكم الدول والجماعات... يذهب فارس بن حزام إلى أن المتطرفين نفسياً يبحثون في الغالب عن "عباءة فكرية تناسب نوازعهم الوجدانية الحادة". وفيما يتعلق بسؤال الدين والسياسة؛ أيهما يطوع الآخر؟ يجيب صلاح عيسى نافياً إمكانية وجود علاقة بينهما، مشيراً إلى أن الحركات الدينية توظف الدين لتحقيق "مشروعات سياسية"، كما "توظف الديمقراطية للإنقلاب عليها". لكن يرد الدكتور رحيل غرايبة قائلاً إن الممارسة السياسية "حق مشروع للحركات الإسلامية، وخصومها يسعون لاستبعادها لأنها الأكثر جماهيرية". وفي سؤال الفصل بين "الدعوي" و"السياسي"، يقول أبوالعلا ماضي إن "شمولية الإسلام لا تعني شمولية الحركة الإسلامية"، بينما يحذر مشاري الذايدي من "ضياع الحدود الفاصلة بين الفقه والسياسة". وعما إذا كان الفكر الإسلامي قد تجاوز حلم إقامة "الدولة الإسلامية"، يعتبر خالد الحروب أن تلك الدولة مجرد "مشروع طوباوي حالم سيتلاشى أمام إشكالات الواقع"، ليرد ياسر الزعاترة بالقول إن "تبخيس فكرة الدولة الإسلامية موقف أيديولوجي ناتج عن فشل تجارب الدولة القومية والليبرالية في العالم العربي". ورغم التصنيف الذي ينطلق منه الكتاب، فهو لا يعتبره مسلمة نهائية، لذلك نجده يتساءل: أيهما أكثر حضوراً في الفكر الإسلامي: النهضة أم الهوية؟ وهو تساؤل يجيب عليه طارق المبارك بالقول إن إرادة النهضة كانت حاضرة في بنية الخطاب الإسلامي منذ الأفغاني وحتى الحركات المعاصرة، كما يعتبر منذر الأسعد أنه لا تعارض بين إرادة النهضة والحفاظ على الهوية، وأن التأزم السياسي هو سبب تغييب الهم الحضاري عن المجتمع. لكن الدكتور أحمد البغدادي يعتبر الفكر الإسلامي عاجزاً عن تقديم أي مشاركة حضارية على المستوى الإنساني، بل يمثل "حائط صد" أمام أفكار التقدم والنهضة. وكان لا بد أن تأخذ مسألة الإصلاح الديني مكانها في هذا السجال، حيث يعتقد عادل الطريفي أن المجتمعات العربية لا يمكن أن تصل إلى "الحضارة" ما لم تمارس قطيعة تامة مع البنية المعرفية التاريخية، كما يرى منصور الهجلة أن الإصلاح الديني طريق لتنقية الدين من الفهم التاريخي المأزوم، فيما يعتقد الدكتور عبد الوهاب الطريري أن الإصلاح الديني قد يوظف لتفريغ الدين من مضامينه، وأن أي مشروع حضاري يستبعد الدين محكوم عليه بالفشل. لكن ألا تحتاج النهضة إلى قراءة للتاريخ؟ يجيب الدكتور سليمان الضحيان بالقول إنه لابد من "قراءة التاريخ" لبناء الرؤية الإسلامية المتسامحة والخروج من أسر القراءات الخاطئة والمنحازة، كما يعتقد الدكتو السيد ولد اباه أن تماهي الروح النضالية المنحازة مع روح الباحث الموضوعي تمثل أكبر مآزق المشاريع البحثية الحديثة لقراءة التراث. لكن محمد العبدة يرى أن قراءة التاريخ الإسلامي يجب أن تكون من مصادره وليس عبر إعادة كتابته بهدف نصرة اتجاهاتنا الفكرية والعقائدية. وفي سجالات "الصحوة" و"التنوير"، يعتبر سعود القحطاني أن "الصحوة" هي من أنتج العنف، كما يقول إبراهيم المبارك إنها أورثت المجتمع اختناقات فكرية وسياسية حادة، أما "التنوير" فيقول طارق المبارك إن أولويته هي التعايش مع العالم بدل مصارعته، والنهضة بدل التخندق حول الهوية. لكن الدكتور مسفر القحطاني يعتبر أن التنويريين هم نتاج مرحلة مأزومة وضحية انفتاح ثقافي مفاجئ في مجتمعات محافظة. وفي جدل الديمقراطية، يعتقد الدكتور خالد الدخيل أن الثقافة السياسية للحركات الإسلامية هي امتداد لفكر الاستبداد، ولذلك فهي ترفض الديمقراطية جذرياً. لكن أبوالعلا ماضي يرد بالقول إن الديمقراطية "آلية"وليست "أيديولوجيا" وأن "في تطبيقها نجاجا للمشروع الإسلامي". محمد ولد المنى الكتاب: الإسلاميون... سجال الهوية والنهضة المؤلف: نواف القديمي الناشر: المركز الثقافي العربي تاريخ النشر: 2008