رغم أن باراك أوباما لن يصبح الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة الأميركية بصفة رسمية قبل العشرين من يناير المقبل، فإنه منغمس منذ الآن حتى النخاع فيما اصطلح على تسميته بـ"أجندة الجحيم"، وهي تلك الأجندة التي تشمل التحديات التي سيجد نفسه في مواجهتها عندما يدخل إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض بعد تنصيبه رسمياً. وعلى الرغم من أن أزمة الاقتصاد العالمي سوف تكون -كما هو متوقع- على رأس قائمة أولوياته، فإن موضوعي الأمن القومي والسياسة الخارجية أيضاً سيتطلبان منه اتخاذ قرارات صعبة في فترة مبكرة من حكمه. وقبل أن يعلن أوباما بصفة رسمية ترشيحاته للأشخاص الذين سيتولون التصدي لتلك المهام، فإنه ليس من الحكمة الآن أن نحاول التكهن بما يمكن لشخصيات معينة أن تقترحه عليه من أساليب لمواجهة تلك المهام والتحديات. مع ذلك، قد لا نكون مبكرين أكثر من اللازم إذا ما سلطنا الضوء على بعض المشكلات الأكثر تعقيداً، والتي سوف تواجهها الشخصيات التي سيختارها أوباما لتولي زمام المسؤولية. على رأس تلك المشكلات، ذلك الموقف الآخذ في التدهور في أفغانستان، والعلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة وباكستان، وهما الدولتان اللتان يعتبر التعاون بينهما ضرورياً للغاية، لإنقاذ أفغانستان من الفوضى ومن احتمال وقوعها مجدداً في قبضة" طالبان". والأخبار القادمة من أفغانستان لا تبشر بخير، حيث بسطت "طالبان" سيطرتها على الولايات الجنوبية، وعينت بالفعل محافظين وعُمداً -غير رسميين- من جانبها من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية، ولفرض النظام والقانون، وحل المنازعات اليومية بين السكان المحليين حول العقارات، والأراضي، والتركات. ويشار في هذا السياق، إلى أن نبات الخشخاش الذي يوفر النسبة الأكبر من إمدادات الأفيون العالمية، تزدهر زراعته في تلك المناطق، على الرغم من وجود قوات التحالف هناك. وتتمثل المشكلة هنا في عدم وجود قوات كافية، يمكنها مراقبة تلك المساحات الشاسعة من الأراضي التي يمكن استغلالها لزراعة هذا النبات. ومما يفاقم من هذه المشكلة أن العديد من القوات التابعة لـ"الناتو" (غير الأميركية) تعمل في أفغانستان بموجب قيود صارمة، تحرم عليها المشاركة في أي مهام قتالية. وبناء على ذلك، يمكن القول إن من أوائل المهام التي ستواجه إدارة أوباما، تلك المهام الخاصة بإقناع الدول الأوروبية المشاركة في "الناتو"، بالمساهمة بمزيد من قواتها في تلك المناطق، وبأن تكون أكثر مرونة فيما يتعلق بقواعد الاشتباك. ومن المتوقع أن تتمكن الولايات المتحدة من إضافة 20 ألف جندي إضافي إلى قواتها في أفغانستان، سيأتي معظمهم من العراق. لكن جلب قوات إضافية لن يحقق نتيجة ذات شأن وقد لا يتجاوز تأثيره إبقاء الوضع الحالي، والذي لا يتمكن فيه طرف من حسم الصراع لمصلحته، على حالته مع القيام في ذات الوقت بمحاولة لكسب الوقت، إلى أن يتمكن الجيش الأفغاني من زيادة عدد قواته وتطوير مهاراته القتالية. وفي رأيي أن الحل طويل الأمد لحالة عدم الاستقرار المزمنة في أفغانستان، لن يأتي إلا عندما يصبح الفاعلون الإقليميون الرئيسيون في المنطقة، وبشكل أخص باكستان والهند، جزءاً من الحل وليسوا جزءاً من المشكلة. والحاصل الآن، أن الحكومة الباكستانية الجديدة المنتخبة ديمقراطياً تواجه مأزقا حرجا للغاية. فمن جهة، تجد هذه الحكومة نفسها مهددة من قبل جماعات الإسلام السياسي المتطرفة العاملة في البلاد والتي ترغب بشدة في إلحاق الهزيمة بها. لكن تلك الحكومة تجد أن تحقيق هذه الرغبة لن يكون ممكناً دون تعاون وثيق من جانب الولايات المتحدة وقواتها الجوية، والضربات الصاروخية التي توجهها طائراتها التي تطير بدون طيار في المناطق القبلية، والتي يطلق عليها مسمى "المناطق المدارة من قبل الحكومة الفيدرالية"، وهو أمر يواجه برفض شعبي عارم في باكستان بأسرها وليس في هذه المناطق فحسب. فالشعب الباكستاني يعتبر هذه الأفعال بمثابة انتهاك لسيادة بلاده. ومما يفاقم من الصعوبة التي تواجهها الحكومة الباكستانية بشأن مواجهة هذا الأمر، أن الجيش الباكستاني غير قادر (وغير راغب في الآن ذاته) على الاضطلاع بالتدخل المطلوب في المناطق المدارة من قبل الحكومة الفيدرالية، بما يؤدي إلى استئصال كل من "القاعدة" و"طالبان". فالجيش الباكستاني، وعلى الرغم من تدعيم صفوفه بتعيينات قيادية جديدة، لا يزال يؤمن بأن الهند هي العدو الرئيسي لبلاده، وليست حركة "طالبان". ويلاحظ هذا الجيش بمزيد من القلق الوجود الهندي المتزايد في أفغانستان حالياً، وعلاقة نيودلهي المتنامية مع الولايات المتحدة. وينظر كبار الضباط الباكستانيين بعدم رضا وشك كبيرين للجهود التي يقوم بها الرئيس الباكستاني عاصف على زرداري لتقديم إيماءات تصالحية إلى الهند. أما الهند نفسها فتواجه زيادة في عدد العمليات الإرهابية التي يقوم بها المتطرفون الإسلاميون ضدها، وبالتالي فمن الصعب عليها في هذه الظروف أن تتمكن من تحقيق أية تسوية لمشكلة كشمير تكون محلاً لقبول ورضا شعبها، وتتفق مع دستورها، إذا ما وجدت نفسها مضطرة لقبول المطالب الباكستانية الخاصة بمنح هذا الإقليم حق تقرير المصير. وبدون حسم مشكلة كشمير ستظل قدرة الدولتين على المساهمة في الاستقرار الإقليمي محدودة. لصياغة استراتيجية شاملة لهذه المنطقة، يجب على إدارة أوباما أيضاً أن تأخذ في حسبانها المناورات السياسية التي تقوم بها القيادة الأفغانية في إطار استعدادها للانتخابات الرئاسية القادمة في سبتمبر 2009. وعليها كذلك أن تعزز تعاونها مع باكستان، وأن تُسرّع جهودها لتحقيق بعض التقدم على جبهة الصراع الهندي الباكستاني، وهو ما سيتطلب منها تحقيق نوع من التوازن الدقيق والتسلح بمهارات سياسية كبيرة. لهذا أقول إنه من الضروري بالنسبة لفريق أوباما أن يعمل على تجنب الصراعات البيروقراطية الداخلية، والعداوات الشخصية بين مسؤوليه، من ذلك النوع الذي ابتليت به إدارة بوش في السنوات الأربع الأولى من توليها المسؤولية.