في اعتقادي أن المؤرخين لن ينظروا إلى قمة العشرين الاقتصادية التي عقدت مؤخراً لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية على أنها "بريتون وودز -2"، وإنما باعتبارها تكراراً لما حدث في مؤتمر لندن الاقتصادي الذي عقد عام 1933، والذي فشل ممثلو 66 دولة شاركت فيه بشكل مريع في الاتفاق إلى استجابة دولية منظمة للتحديات الهائلة التي فرضها آنذاك الكساد العظيم. وكان السبب الرئيسي في ذلك الإخفاق هو أن الرئيس الاميركي المنتخب آنذاك "فرانكلين روزفلت" اعترض على المقترحات الأوروبية الرامية إلى تحقيق الاستقرار في العملات العالمية الرئيسية. وفي وقتنا الحالي لم يكن الرئيس المنتخب هو المبادر بالمعارضة وإنما الرئيس المنتهية ولايته! فحتى قبل أن يحط نظراؤه الرحال في واشنطن، أعلن بوش أن الأحداث الأخيرة لم تجعله يفقد إيمانه بالأسواق الحرة وبضرورة تقليص دور الدولة التنظيمي في النشاط الاقتصادي إلى أقل حد ممكن. فخلال الأسبوع الماضي، كانت الولايات المتحدة هي الدولة التي عارضت الدعوات الأوروبية لإنشاء هيئة تنظيمية عالمية، كما عارضت إدخال تعديلات ذات شأن بصدد الدور المنوط بصندوق النقد الدولي، ولم تبد أي اهتمام بفكرة صفقة الحوافز العالمية. وكان ذلك في مجمله يعني أن فرصة ثمينة أخرى قد ضاعت وتسربت من بين الأيدي سدًى. فالأزمة المالية الحالية تتشابه تماماً مع حدث وقع في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما تحول ما بدأ في الأساس كنوع من الهلع المصرفي إلى أزمة اقتصادية عالمية في النهاية. وعلى ما يبدو أيضاً أن الافتقار إلى التنسيق الدولي، يهدد هذه المرة بتحويل حالة من الركود إلى كساد عميق يستمر لفترة طويلة من الزمن -تماماً مثلما حدث في الماضي. إن المشكلة التي لم تنل ما تستحق من اهتمام ومناقشة في ذلك الاجتماع، هي أن كل دولة من الدول الحاضرة تواجه الأزمة من خلال إجراءاتها النقدية، والمالية الخاصة، وذلك عندما قامت البنوك المركزية في بعض الدول بتخفيض أسعار الفائدة الرسمية إلى مستوى قريب من الصفر، واتجهت وزارات الخزانة في دول أخرى إلى ضخ مليارات الدولارات في صورة جهود إنقاذ، وحزم تشجيعية. وقد لا تكون ثمة حاجة للتأكيد على أن غياب التنسيق بين تلك الإجراءات سيؤدي بنا حتماً إلى حالة من عدم الاستقرار في البورصات العالمية، وفي أسواق السندات، عاجلاً وليس آجلاً. وجوهر الأزمة الحالية في رأيي يكمن في عدم التوازن القائم بين الولايات المتحدة التي بلغ العجز الحالي في حسابها الجاري ما يعادل واحداً في المئة تقريباً من الدخل القومي الإجمالي للعالم بأسره، وبين الدول التي تقوم بتمويل هذا العجز وهي في الأساس الدول المصدرة للنفط، واليابان، والاقتصادات الناهضة في آسيا. يشار في هذا الصدد إلى أن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين على وجه الخصوص، قد دخلت إلى مرحلة حرجة للغاية، وذلك بعد الاتهامات التي وجهت لبكين بأن سياستها في تخزين الدولار الأميركي هي التي ساعدت أميركا على إدمان الديون. والآن وبعد أن انقضت الفترة التي كانت الصين تعمل فيها كرافعة للاقتصاد الأميركي فإن الشراكة الصينية- الأميركية أي الشراكة بين أكبر دولة مدخرة في العالم، وأكبر دولة منفقة فيه، ربما تكون هي المفتاح لحل الأزمة الحالية. إن ما نريده من الصين في الأساس هو أن تعمل على دعم الإجراءات المالية الهادفة إلى التخفيف من حدة الأزمة، ودعم حزمة الحوافز الاقتصادية، من خلال القيام بإجراءات مماثلة لذلك من جانبها. وهناك حاجة ماسة وحقيقية إلى عقد اتفاقيات بين الدولتين يتم بموجبها إجراء تقليص تدريجي لعدم التوازن الصيني- الأميركي من خلال زيادة الصادرات الأميركية للصين، وزيادة الورادات الصينية من أميركا. وهناك حاجة أخرى لا تقل إلحاحاً بأي شكل إلى التوصل لاتفاق يهدف إلى تجنب حدوث انهيار كامل في سوق الدولار الأميركي وسوق السندات وهو ما يمكن أن يحدث إذا ما توقفت الصين عن شراء سندات الخزينة الأميركية، بشكل مؤثر أو ذي شأن. وإذا لم تتم تلك الصفقة الصينية- الأميركية، فإن البديل عن ذلك سيكون بشكل واضح انكفاء الصينيين على أنفسهم وتكريس طاقاتهم لتحقيق "نوع من اشتراكية السوق في دولة واحدة هي دولتهم" وذلك من خلال زيادة استهلاكهم من المواد المنتجة محلياً وإدارة الظهر تماماً للتجارة مع العالم باعتبارها قاطرة للنمو. وفي النهاية لا يسعني إلا أن أوجه نداء إلى الرئيس المنتخب باراك أوباما أقول له فيه: لا تنتظر حتى موعد قمة العشرين القادمة في إبريل المقبل، وبادر بالدعوة إلى القمة الصينية- الأميركية (G2) في اليوم التالي مباشرة ليوم تنصيبك. ولا تنتظر حتى تدعو الصين إلى قمة (G-1) أي قمة الدولة العظمى الوحيدة (الصين) في بكين، في موعد قد يكون أقرب بكثير مما قد نتخيل لأول وهلة. نيال فيرجسون أستاذ التاريخ بجامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"