تنص المادة الرابعة من النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية على التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها. وتنص أيضاً على وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين، ومنها الشؤون الإعلامية والسياحية. ولقد عقد وزراء الإعلام بدول مجلس التعاون اجتماعهم السابع عشر مؤخراً في الدوحة، بعد 27 عاماً من قيام المجلس، وهذا يُدلل على عدم انتظام عقد اجتماعات وزراء الإعلام كما هو الحال في اللجان الوزارية الأخرى التي تعقد كل عام. وذلك لأسباب مُدرَكة، تتمثل في وجود تيارين يتجاذبان الدول هما: التيار الإعلامي التقليدي والتيار الانفتاحي المتطور. فالتيار التقليدي ينظر إلى الإعلام نظرة "مُحافظة" تتمثل في تبني نظرية "المسؤولية الاجتماعية" Social Responsibility Theory، هذه النظرية التي تعتمد على الاتجاه نحو الحوار لا الصدام والترفيه مقابل الربح، مع حفظ آداب المهنة، وحظر نشر ما يمكن اعتباره تدخلاً في شؤون وحقوق الأفراد ومصالحهم الاجتماعية والفردية. وملكية الإعلام -ضمن هذه النظرية- للحكومة. وتتخذ الحكومة الإجراءات الكفيلة بتحقيق تلك المسؤولية. أما نظرية "الحرية" Liberty فهي تهدف إلى تحقيق الربح؛ لكنها تسعى لكشف الحقيقة ومراقبة أعمال الحكومة. ويحق لكل شخص -لديه الإمكانيات المادية- أن يؤسس مؤسسة إعلامية. والإشراف هنا ليس للحكومة بل لصاحب المؤسسة ضمن سوق حر للإعلام. وكما أن لنظرية "المسؤولية الاجتماعية" ضوابط، فإن نظرية "الحرية" تحظر نشر جرائم التشهير، والمواد الضارة أخلاقياً، وتلك التي تدعو إلى التمرد والعصيان أثناء الحروب. وما يميز هذه النظرية أنها تراقب أعمال الحكومة وتعنى بالاحتياجات الأخرى للمجتمع. ولكن بعض دول الخليج لا تلتزم حرفياً بمبادئ هذه النظرية؛ بل تجتزئ منها ما يناسبها، وتقوم بخلط مبادئ هذه النظرية بمبادئ نظرية المسؤولية الاجتماعية. ومن خلال دراستنا لواقع حال الإعلام المشترك في دول مجلس التعاون واضطلاعنا بملف وزراء الإعلام خلال ست سنوات (1993-1999)؛ فإننا نلاحظ ضعف المسيرة المشتركة في المجال الإعلامي من خلال الحقائق التالية: - لا يوجد في المجال الإعلامي تكامل أو تنسيق أو وحدة! فالمجال الإعلامي مجال تنافسي، يقوم على اختيار وحدات الإعلام -برمجية كانت أم تقنية- على أسس مصلحة واتجاهات كل بلد. - توجد بلدان، ضمن المجلس، تريد للإعلام أن يكون بوقاً تنموياً. وهذا التوجه يفرض أفكاراً عقيمة ومتكررة ملَّ منها الجمهور؛ وأفقد المتلقين ثقتهم في وسائل الإعلام المحلية، فاتجهوا نحو الإعلام الوافد. لذلك نقرأ في الصحف تلك العبارات -التي تصاغ من الديوان أو القصر، لربما بأقلام غير إعلامية منفتحة- وهي تحمل أفكاراً مملة ومطولة وليس لها أي مدلول موضوعي؛ مثل الاستقبالات الرسمية والفرمانات؛ وللأسف لا يلاحظ القائمون على هذا الشأن أن لكل وسيلة إعلامية شروطها الكتابية أو نصوصها الملائمة. فالنص الصحفي ليس بالضرورة أن يصلح للتلفزيون. وإذا ما "تحذلق" أحدهم وغامر بتغيير النص ليناسب التلفزيون فإنهم "يقبضوه" الباب. - التطورات التقنية: حيث نلاحظ أنه بحلول عام 1990 بدأت الفضائيات العربية بالبث عبر الأقمار الاصطناعية. وهذا أسقط الحدود الإعلامية، تماماً كما أنه "أحرجَ" دهاقنة الرقابة؛ وأصبحوا دون عمل. وهذه التقنية الجديدة ألغت دور التبادل الإخباري سواء بين الدول العربية أم بين دول الخليج، ذلك أن المادة الإخبارية متواجدة على الأخبار، وإن ظل هنالك هامش صغير لانتقاء بعض الأخبار المهمة من نشرة التبادل عبر القمر الاصطناعي العربي. ولربما يكون إلغاء التبادل الإخباري أو عدم الاهتمام به من "نقم" التكنولوجيا. ولقد حاولنا في السابق -من خلال عملنا في الأمانة العامة لمجلس التعاون- إعداد نشرة خليجية تبث في دول المجلس، إلا أن المحاولة قُتلت في مهدها. - عدم إيمان بعض الدول بعمل المؤسسات الإعلامية المشتركة. ونلاحظ منذ أكثر من عشرين عاماً اتجاهات واضحة نحو إلغاء المؤسسات الإعلامية المشتركة أكثر من زيادتها. فلقد كانت هنالك أكثر من سبع مؤسسات إعلامية مشتركة قبل قيام مجلس التعاون، إلا أننا نلاحظ اليوم أن عدد المؤسسات المشتركة لا يزيد على مؤسستين؛ هما "مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك" بالكويت، و"جهاز تلفزيون الخليج" بالمملكة العربية السعودية. - اختلافات السياسات الإعلامية بين دول المجلس: هذا الخلاف حول قيم البث -سواء من خلال ظهور قناة "الجزيرة" أم تطبيق المهنية في السماء الخليجية- ساهم في تعثر العمل الإعلامي المشترك، وصار وزير الإعلام يأتي للاجتماع ليُبلغه وجهة نظر حكومته حيال التوجه الإعلامي؛ فتخرج العبارات -في البيان الختامي- لينة ومخملية حفاظاً على وحدة مجلس التعاون. وأدرك أن بعض أصحاب السعادة الوزراء سوف يبتسمون لهذا الكلام وهم يدركون الحقيقة جيداً! إن العالم ينحو نحو الانفتاح وتلاقي الأفكار وحرية نشرها وتداولها، وهذه من مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان -التي تم تجاهلها في أغلب إعلام الدول العربية- ونحن في هذا الصدد لا نجد أي جدوى في سنِّ تشريعات جديدة أو مناقشة "التزامات" جديدة في مجال الإعلام! وقد تكون مضيعة لوقت الوزراء أن يناقشوا أوراقاً تحمل أفكاراً تحدُّ من الحرية أو تحاول تقييد الإعلام وإعادته مخفوراً إلى "بيت الطاعة" وتسليمه للجان الرقابة! لقد تعوّد الجمهور على بث القنوات المهاجرة وتلك التي كسرت قيود الرقابة، بما تحمله من تغطيات مثيرة ومن مكان الحدث، فكيف نعيد هذا الجمهور إلى نشرات "استقبل" و"ودَّع"؟! أعتقد أنه من الأهمية بمكان أن يبحث الوزراء دورَ تلفزيوناتهم وإذاعاتهم المحلية ودرجة فعاليتها أمام البث الوافد؛ والقنوات الخاصة التي بدأت تظهر في المنطقة، وأن "يبدلوا" الأطقم التقليدية التي تدير تلك المحطات، ويوسعوا من درجة الحوار! إننا نشهد بأن إنسان المنطقة غير مُمَثل في إعلامه، أي أنه مُغرّب، كما أن هذا الإعلام يسير في اتجاه رأسي فوقي ولا يجالس الجمهور، كما أنه إعلام "صادح مادح"، وهذا يخالف الاتجاه العالمي في الإعلام. يمكن لاجتماع وزراء الإعلام أن يتبنى فكرة تشجيع المبدعين الخليجيين في مجال الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، وعمل مسلسلات تحكي تاريخ الخليج، لأن مجال الإنتاج والشراكة فيه يساعد المبدعين الخليجيين ويقلل من قسوة الروتين في قبول أعمالهم. ويمكن أن يصار إلى تسهيل قيام أطقم إذاعية وتلفزيونية خليجية لإنتاج حلقات من الدول الأخرى وتعريفهم على المناطق والأشخاص والأحداث التي يمكن أن تثري الشاشة في البلد الآخر! ولا "تثريب" على هذه الأطقم إن تناولت حقائق أو مشاهد جديدة لم تكن معروفة لدى الجمهور. كما أن الأسابيع الخليجية في الخارج مهمة، وحبذا لو تم اختيار المتحدثين المهنيين القادرين على نقل الصورة بدلاً من الاعتماد على بعض الأكاديميين والأكاديميات -اللاتي عفا الزمن على أفكارهن- أو البيروقراطيين الذين لا يفهمون إلا "الترزز" أمام المسؤولين. ثم ماذا عن المدن الإعلامية التي تنشأ هنا وهناك؟ وماذا عن الحريات العامة؟ ومسألة حقوق الإنسان؟ ألا تستحق هاتان القضيتان جزءاً من البث اليومي الراقص؟ لا أريد أن أكون متشائماً، ولكن أعتقد أنه ستظل أمام السادة وزراء الإعلام الخليجيين مهمة مستحيلة، مع كل التقدير للتوصيات التي خرج بها الاجتماع، والتي يمكن أن تبقى للاجتماع القادم، لأن تركة الماضي ثقيلة، ومهمة المستقبل أثقل.