تعهد أكثر من مائة وستين بلداً، جلها ينتمي إلى العالم النامي، بالوقوف في مواجهة شركات التبغ والتصدي لجهودها الرامية إلى التخفيف من صرامة القوانين المناهضة للتدخين والتحايل عليها في بعض البلدان الفقيرة التي تواجه صعوبات في تطبيق التشريعات المناوئة لصناعة التبغ. فبناءً على معاهدة الإطار لمراقبة التبغ التي رعتها منظمة الصحة العالمية وحولتها إلى اتفاقية عالمية تم التوقيع عليها في عام 2005، سنت أكثر من مائة دولة قوانين جديدة تحظر التدخين في الأماكن العامة، كما تمنع بث الإعلانات المرتبطة بالتدخين، لاسيما تلك الموجهة إلى النشء وصغار السن، فضلًا عن حظر اتفاقيات الشراكة والتعاون بين الحكومات وشركات التبغ. واستكمالا لهذه الجهود عُقد نهاية الأسبوع الماضي اجتماع في مدينة دوربان بجنوب أفريقيا ضم العديد من البلدان التي اتفقت في الأخير على ضرورة الحد من تدخل جماعات الضغط لصالح شركات التبغ والتأثير في السياسات الحكومية للدول النامية من خلال تخفيف القوانين المناهضة للتدخين. وفي هذا الإطار تقول "كاثي مولفي"، مديرة السياسات الدولية في مؤسسة محاسبة الشركات التي تراقب صناعة التبغ عن كثب، إن الاجتماع كان "خطوة مهمة، حيث تم تسليط الضوء على التضارب في المصالح بين شركات التبغ التي تجري وراء الأرباح من جهة، وبين الصحة العامة والسياسات الحكومية الداعمة لها". ومن شأن هذا النقاش حول خطورة السماح بعودة صناعة التبغ إلى الواجهة أن يقطع أمامها الطريق، ويخلق وعياً لدى الحكومات بالأساليب التي تلجأ إليها الشركات للالتفاف على القوانين والإضرار بالصحة العامة. والواقع أن شركات التبغ العالمية واجهت أوقاتاً عصيبة في السنوات الأخيرة، لاسيما في البلدان المتقدمة بسبب تراجع ظاهرة التدخين في أوروبا وأميركا الشمالية، وهو ما يؤشر إلى أن سياسات التوعية الصحية والتحذير من أضرار التدخين، لارتباطه بالمشاكل الصحية، بدأ يعطي ثماره. ومع أن الشركات حولت تركيزها من العالم المتقدم الذي أوصد الأبواب في وجهها إلى الدول النامية في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية ومحاولاتها المتكررة إرشاء المسؤولين الفاسدين في تلك البلدان لتليين القوانين، إلا أنها واجهت مقاومة شديدة من قبل الحكومات التي رفضت أن تتحول بلدانها إلى أماكن تتفشى فيها الأمراض المتصلة بالتدخين. ولعل ما يدق ناقوس الخطر بشأن شركات التبغ العالمية، هو الإحصاءات التي تنشرها بانتظام منظمة الصحة العالمية، وحسب آخر الأرقام فإن عدد مستهلكي التبغ في أفريقيا يرتفع بنسبة 4.3% سنوياً، والأخطر من ذلك، وفقاً لبيانات المنظمة، أن عدد الوفيات في العالم بسبب المنتجات المرتبطة بالتبغ، تجاوز 5.5 مليون شخص سنويًا، منها نسبة 70% في البلدان الأفريقية. وتشدد المنظمات الأهلية على ضرورة تركيز الدول النامية على الجانب التشريعي لحماية مواطنيها من الآفات الصحية المرتبطة بالتدخين واستهلاك التبغ، لاسيما وأن البنى الصحية في المستشفيات غير قادرة على التعامل مع الأمراض العديدة الناتجة عن التدخين. ويعبر عن هذا الواقع الدكتور "يوسف سالوجي"، المدير التنفيذي للمجلس الوطني لمكافحة التدخين في جنوب أفريقيا، قائلاً: "لا تتأخر الحكومات عن المشاركة في المؤتمرات الدولية وقطع وعود على نفسها، لكن ما أن تعود الوفود إلى بلدانها حتى تصدم بالواقع وتخل بالتزاماتها". ويضيف الدكتور سالوجي: "ما نحتاج إليه هو بلورة قواعد واضحة تحد من التفاعل بين الحكومات وشركات التبغ التي تسعى إلى الضغط عليها لتمرير سياسات تصب في مصلحتها". وبالطبع لا يصبح القانون فاعلا إلا إذا طبق على أرض الواقع وسهرت الجهات الحكومية على تنفيذه، والحال أن نشطاء مكافحة التدخين يشيرون إلى العديد من الأمثلة في الدول الأفريقية يتم فيها تجاهل القوانين والتشريعات لأن المسؤولين ذوي الرواتب المتدنية لا ينفذونها. غير أن النشطاء المناهضين للتدخين متفائلون بأن معاهدة الإطار لمراقبة التبغ، بالإضافة إلى القواعد الجديدة التي تمت مناقشتها في الاجتماع الأخير، ستمنح قوة أخلاقية للحكومات لتنفيذ القوانين والتشدد في تطبيقها. ومن بين التدابير المهمة التي خرج بها الاجتماع هو اتفاق الدول المشاركة من أجل الضغط على شركات التبغ لوضع صور ورسومات للسرطان على علب السجائر، بدلا من الاكتفاء باللغة المكتوبة، لاسيما أن 50% من سكان أفريقيا لا يستطيعون القراءة، كما اتفقت البلدان على منع المسؤولين الحكوميين من الاستثمار في شركات التبغ وسن قوانين جديدة تحظر إعلانات التدخين وتطبق القوانين التي تمنع التدخين في الأماكن العامة. ويرى المراقبون أن هذه التدابير لا تكلف أموالا كثيرة، بل فقط تركز على الالتزام بتطبيق القوانين ودفع المسؤولين والشركات إلى الالتزام بها والتحذير من أساليب مصنعي التبغ في الالتفاف عليها، وهنا تشير المنظمات الأهلية مثلا إلى بعض الوسائل التي تلجأ إليها الشركات مثل تمويل برامج لمكافحة الإيدز، أو إقامة برامج لمكافحة التدخين لدى الأطفال بهدف التسلل مجدداً إلى الساحة والرجوع بقوة إلى سياساتها القديمة في التشجيع على التدخين. سكوت بولدوف ------- عضو هيئة تحرير "كريستيان ساينس مونيتور" ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"