لكل مناسبة عند الشعوب طقوسها، خاصة تلك التي لها جذور تاريخية في ذهنية المواطن بل إن الأهازيج والأغاني ونوعية الاحتفالات بعضها ترمز إلى المناسبة. وينظر إلى الاحتفالات الوطنية باعتبارها مناسبة كبيرة لتعزيز الانتماء للوطن وهويته، وتأخذ الفنون والاحتفالات في مثل هذه المناسبات فرصتها لإحياء مثل هذه المشاعر، مع التركيز طبعاً على مضمون هذه الاحتفالات والفنون، لكن الملاحظ أن الأمر بدأ ينصرف بعيداً عن ذلك بالتركيز على استقدام فرق رياضية ومطربين من الخارج لإحياء الاحتفالات باليوم الوطني لدولة الإمارات. كان الاعتقاد السائد عند العديد من الناس في دولة الإمارات بأن تخصيص عام 2008 عام للهوية الوطنية سيلعب دوراً كبيراً في أن تحظى احتفالاتنا للعيد الوطني لهذه السنة بزيادة جرعة التراث والأهازيج الإماراتية وإظهارها للعامة سواء لأن المناسبة وطنية أو لأن العام هو عام هوية وطنية، وكان الاعتقاد أيضاً أن المناسبة سيكون لها تأثير توحيدي وجماعي على الشعب الإماراتي كاملاً وتتم المشاركة اتحادياً وأن الاحتفالات بمستوياتها المختلفة الفردية والمؤسساتية ستكون لها ميزتها المختلفة من منطلق اختتام عام الهوية. لكن من تسنح له الفرصة خلال هذه الأيام للتجول في الشوارع العامة في الدولة أعتقد أنه سيتفق مع ما أقوله؛ فالإعلانات التي تملأ الشوارع هي لفنانين قادمين من خارج الإمارات ولا علاقة لها بما نحتفل به هذه الأيام، وإذا كان البعض يعتقد أن الاحتفالات هي لغير المواطنين، فهنا وجب التوضيح بأن الموروث الشعبي يجذب القادم من خارج الإمارات أكثر من العروض القادمة من الخارج، لأنه يحتاج لمعرفة الإمارات وتفاصيل مجتمعها أكثر مما يحتاج إلى أن نستورد له ثقافته على الأقل خلال عيدنا الوطني، كما أن الموروث الشعبي الإماراتي، والذي هو شبه مغيب، يمتاز بقدرته على جذب الانتباه. من باب المصلحة الوطنية لا غير نحن أحوج خلال هذه المناسبات إلى الجرأة لإبراز أنفسنا وما هو منتشر في الشوارع العامة لعب دوراً في كشف حالة التقصير من بعض الجهات، وقد برهنت الجهود المتراجعة أننا فعلا لم نجنِ شيئا خلال عام كامل من الهوية، حتى في الاحتفالات التي هي مناسبة وطنية. الثاني من ديسمبر يجسد مناسبة توحيد دولة الإمارات، وتشارك في إحيائه كافة الفعاليات الاتحادية باسم الاتحاد لإحياء هذه الذكرى، لكن من العجيب أننا نجد احتفالات فرغت المناسبة من مضمونها لأن من شأن المشاريع الاتحادية انضواء الجميع تحت شعار المشروع الاتحادي للنهضة والتنمية، والتي تجمع جميع أبناء دولة الإمارات تحت هدف واحد بكل شرائحه ومختلف إماراته لأن تراجع هذه الاحتفالات التي تحيي الذكرى قد يؤدي إلى تآكل فكرة الثاني من ديسمبر ورمزيته ومن احتفاء هذه المناسبة لتصبح يوم عطلة خالية من مضمون نحن في أمس الحاجة إليه. من أسباب رسوخ تواريخ وطنية معينة عبر الزمن وكذلك عمقها في احتفاظ ذاكرة الشعوب على مدى طويل أنها تضيف في كل عام من مناسبتها فكرة أحداث جديدة وترسخ في أذهان الشعوب تراثها وتاريخها، وأظن أن الكثيرين يتفقون معي في ذلك.