إعلان كليات التقنية، مؤخراً، إطلاق صندوق للمنح، بالتعاون مع شركات من القطاعين العام والخاص في الدولة، يمثل خطوة مهمة على طريق الشراكة المطلوبة والملحّة بين مؤسسات التعليم والمؤسسات الاقتصادية. ولعلّ ما يلفت النظر في صندوق المنح الذي تم إطلاقه، أمران: الأمر الأول هو عدد الشركات والمؤسسات المشاركة فيه، فوفقاً لمدير كليات التقنية، وصل هذا العدد إلى 100 جهة ومؤسسة تمثل القطاعين العام والخاص. وعلى الرغم من أن هذا العدد لا يلبّي الطموح، ومن الضروري أن يكون أكبر من ذلك بكثير، فإنه يمثل تصاعداً في وعي مؤسسات الأعمال بضرورة الاهتمام بدعم التعليم، والنظر إلى ذلك على أنه واجب وطني أولاً، ومصلحة اقتصادية ثانياً، ولعلّ مشاركة مؤسسات كبرى ولها حضورها على الساحة الاقتصادية في إنشاء الصندوق، من شأنها أن تشجع على مزيد من المشاركة والانخراط فيه من قبل مؤسسات أخرى خلال الفترة المقبلة. الأمر الثاني هو الأثر الإيجابي المباشر لإنشاء هذا الصندوق في المجال التعليمي، حيث أشار مدير كليات التقنية إلى أن العام الدراسي المقبل سوف يشهد افتتاح أربعة تخصصات جديدة هي: إدارة العقارات، أمن المعلومات، الهندسة الإلكترونية، هندسة الكمبيوتر، وذلك بفضل المساهمات المالية التي توافرت في صندوق المنح، والتي تجاوزت 100 مليون درهم، فمن دون هذه المساهمات لم يكن بمقدور كليات التقنية أن تتوسّع في تخصصات مهمة ومطلوبة بقوة على الساحة الإماراتية، ومن شأن مزيد من المساهمات في المستقبل أن يمكن هذه الكليات من قبول مزيد من الطلبة، وبالتالي التوسّع في تخريج عناصر بشرية يحتاج إليها السوق الإماراتي بقوة ويطلبها، حيث تشير الإحصاءات إلى أن نسبة البطالة بين خريجي كليات التقنية تكاد تكون منعدمة، لأنهم يحملون مهارات مطلوبة من قبل سوق العمل. إن مشاركة المؤسسات الاقتصادية، الخاصة والعامة، في دعم التعليم والبحث العلمي، والتعاون مع المؤسسات التعليمية، هي ممارسة مستقرة في الدول المتقدمة، حيث يمثل التعليم المجال الطبيعي لتخريج الكوادر البشرية التي تحتاج إليها هذه المؤسسات وإعدادها، من ناحية، ومصدر تخليق الأفكار والمشروعات والبحوث العلمية التي تثري نشاطاتها وأعمالها من ناحية أخرى. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة تعطي الدولة أهمية كبيرة للتعليم والبحث العلمي، ومن شأن مشاركة المؤسسات الاقتصادية معها في هذا الاهتمام، أن يؤدي إلى مخرجات تعليمية رائدة. وإذا كانت بعض المؤسسات قد أقدمت على إنشاء صندوق منح لدعم كليات التقنية، فإن مجال المساهمة متعدد ورحب، فهناك دعم البحث العلمي الذي يحتاج إلى إمكانات مالية كبيرة ومساندة مؤسساته المختلفة في الدولة، وهناك التعاون مع الهيئات التعليمية في التدريب العملي للطلبة، وتشغيلهم بعد تخرجهم، وتبني الموهوبين والمتفوقين منهم، وهناك تبني الابتكارات والاختراعات العلمية المفيدة للمجتمع، وغير ذلك كثير من المجالات الأخرى التي يمكن للقطاعين العام والخاص أن يساهما من خلالها في دعم التعليم ومؤسساته في دولة الإمارات، دون أن تنظر إلى الأمر من زاوية تكلفته المادية فحسب، لأنه ينطوي على مصلحة اقتصادية كبيرة ومباشرة لهذه المؤسسات.