معروف عن الإمارات مواقفها الإنسانية الأصيلة في مساعدة البعيد قبل القريب في الأزمات والمحن. ويوم الاثنين الماضي شهد العمل الإنساني في الإمارات نقلة نوعية عندما تم إطلاق "المناشدة الإنسانية الموحدة للأمم المتحدة لعام 2009"، وهذه أول مرة يتم فيها اختيار دولة في الشرق الأوسط لإطلاق هذه المبادرة الإنسانية الكبيرة منها بعد أن كانت المسألة محصورة بين نيويورك وجنيف، وهذا إنجاز يحسب للإمارات ويحسب لسمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس هيئة الهلال الأحمر، صاحب القلب الكبير والأيادي البيضاء في مساعدة المحتاجين في مختلف دول العالم. وعلى الرغم من أن هذا الاختيار يعزز المسؤولية الإنسانية الملقاة على عاتق الدولة إلا أنه يزيد من رصيدها في ساحات البذل والعطاء ويدفعها لتقديم المزيد من أجل تحسين الحياة ونصرة الضعفاء، كما أنه يعتبر بادرة ممتازة لرفع الوعي والدعم للمناشدة الإنسانيه لعام 2009 التى تسعى إلى جمع سبعة مليارات دولار أميركي لدعم إنساني عاجل لثلاثين مليون شخص في واحد وثلاثين بلداً في أنحاء العالم. وتعتبر المناشده الإنسانية التي تنطلق من أبوظبي أكبر مناشدة منذ بدء عملية المناشدة الموحدة منذ بدايتها عام 1991، وهي تضم 12 مناشدة موحدة لجمهورية أفريقيا الوسطى، وتشاد، وساحل العاج، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والعراق، والدول المضيفة لكثير من اللاجئين العراقيين، وكينيا، والأراضي الفلسطينية المحتلة، والصومال، والسودان، وأوغندا، ومنطقة غرب أفريقيا، وزيمبابوي. ولا يخفى على أحد أن هذه المناشدة الإنسانية الكبيرة تأتي في وقت صعب يعيش فيه العالم أزمة مالية كبرى، واستضافة الإمارات لفعاليات هذه المناشدة الموحدة تؤكد حرصها على توحيد الجهود الخيرة في العالم من أجل مستقبل أفضل للعمل الإنساني وتوفير رعاية أكبر لضحايا الكوارث والنزاعات وعدم الاستسلام للعقبات في سبيل مساعدة المحتاجين. لقد بذلت الإمارات على مر تاريخها الكثير من أجل إغاثة المنكوبين والتقليل من آثار الكوارث على البشر... ورفع المعاناة وتحسين الحياة في المناطق المهمشة والساحات الملتهبة، وامتدت مساعداتها لكل شعوب العالم التي طالتها المحن والحروب دون تمييز أو تحيز لعرق أو دين أو طائفة، بل كان همها الإنسان أينما وجد وغايتها إنقاذ الحياة والحد من وطأة المعاناة، وبلغت قيمة المساعدات والمنح التي قدمتها الإمارات في هذا المنحى نحو 120 مليار درهم. ولم تترك الإمارات مكاناً يحتاج إلى مساعدة وتستطيع الوصول إليه إلا وكانت موجودة فيه، وعلى سبيل المثال فإن مجمل ما قدمته الإمارات لأفغانستان في أزماتها الأخيرة بلغ نحو 250 مليون درهم... في حين بنت آلاف البيوت للفلسطينيين الذين صاروا بلا مأوى بسبب الحرب المستمرة... وقامت الإمارات مؤخراً بالالتزام ببناء ألف منزل لليمنيين الذين اجتاحت الفيضانات مناطقهم وسيكلف بناء هذه البيوت مائة مليون درهم... كما ساعدت الإمارات الصين في التخفيف من حدة الزلزال الذي ضربها أخيراً... وقامت الإمارات أيضاً بأدوار إنسانية كثيرة دون اللجوء إلى الإبهار الإعلامي. الأرقام الرسمية تؤكد أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى تضافر جهود العالم، حكومات ومؤسسات وأفراداً، من أجل توفير الغذاء لمئات الملايين من البشر الذين يواجهون شبح المجاعة وهذه أكبر التحديات التي تواجه المجتمع الدولي، وكانت منظمة الأغذية والزراعة العالمية "الفاو"، قد دقت ناقوس الخطر خلال مؤتمرها الذي عقد مؤخراً في العاصمة الإيطالية روما، حيث أوضحت تقارير المنظمة الدولية أن 862 مليون نسمة من سكان العالم يعانون من المجاعة، وأن 290 مليوناً من 53 دولة يحتاجون إلى مساعدات عاجلة، وأن العالم بحاجة إلى ضخ 30 مليار دولار سنوياً للحد من تداعيات شح الغذاء ومنع كارثة المجاعة التي لاحت بوادرها في الأفق. وبحسب أنطونيو جونيريس المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن أكثر الدول حاجة للمساعدة الأممية هي السودان، وتقدر حاجتها هذا العام بنحو 2.2 مليار دولار لإغاثة 4.2 مليون شخص يعانون الفقر والجوع... كما أن نصف سكان الصومال يحتاجون إلى العون والمساعدة أيضاً حيث يعاني طفل من كل ستة أطفال سوء التغذية، كما يحتاج نحو 2.3 مليون شخص إلى سد رمقهم ونيل العلاجات الطبية الضرورية... كما أشار جونيريس إلى الوضع الصعب في فلسطين، خاصة في قطاع غزة المحاصر، وقال إن الظروف المعيشية هناك صعبة للغاية. وتأمل الأمم المتحدة تقديم المساعدة العاجلة للذين يفتقدون للمقومات الأساسية للحياة. تبدو هذه الأرقام مفزعة إذا لم تقم الدول والحكومات والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية بمسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية تجاه ضحايا الفقر والجوع... فالعالم سيواجه كارثة إنسانية كبيرة والإمارات ملتزمة بدورها الإنساني، وهيئة الهلال الأحمر في دولة الإمارات مشهود لها بالدور المميز في مجال الإغاثة الإنسانية، وهي من أولى منظمات العمل الخيري في تقديم المساعدات.. ويبقى الدور على باقي المنظمات الإنسانية في مختلف دول العالم كي تقوم بالدور المنوط بها من أجل مواجهة نقص الغذاء وارتفاع أسعاره ومواجهة آثار الكوارث والعمل على تحجيم انتشار رقعة الجوع والفقر والتعامل مع مشكلة النزوح والتشرد في العالم... بالإضافة إلى الاستعداد للكوارث الطبيعية الناتجة عن التغيرات المناخية والأمراض والأوبئة التي تجد في الدول الفقيرة أرضاً خصبة للانتشار والقضاء على أكبر عدد من البشر... إنها تحديات حقيقية ومؤثرة وتدعو إلى تحرك عالمي سريع وقوي لمواجهتها. وأخيراً يجب أن نؤكد أن سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان يعتبر الوجه الإنساني والخيري المشرق لدولة الإمارات، فمن خلال دعمه الدائم والمستمر للعمل الإنساني والإغاثي في الإمارات، نجحت هيئة الهلال الأحمر في أن تقوم بدورها المطلوب على مدى السنوات الماضية، ولأيادي سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان البيضاء أكبر الأثر في إنهاء معاناة كثير من المحتاجين والذين أغلقت أمامهم جميع الأبواب ففتح الشيخ حمدان لهم بابه وأنهى معاناتهم، فتحية احترام وشكر للرجل الذي أعطى كثيراً للعمل الخيري والإنساني، ونتمنى أن نرى الكثير ممن يقتدون بسموه في هذه المجالات الإنسانية السامية.