يقع المقهى الذي تقدم فيه "بيفي الآنكو- رهيلما" السلمون المدخن والقهوة الساخنة في ظلال موقع بناء مترامي الأطراف على جزيرة"أولكيليوتو"، حيث تقيم فنلندا منشأة لتوليد الطاقة النووية، وهي الثالثة من نوعها على الجزيرة، والخامسة في فنلندا خلال الثلاثين عاماً الأخيرة. شأنها في ذلك شأن الكثيرين من جيرانها الذين أصبحوا متعودين على الطاقة النووية، فإن"الآنكو رهيما"، ليس لديها اعتراض على خطط بناء المفاعل الجديد الذي تقول إنها قد سمعت أن السلطات المحلية تؤكد أنه" آمن، وقادر على حماية الطبيعة، وأرخص من غيره من مشروعات توليد الطاقة". ليس هناك أحد في الجزيرة متأكدا من التاريخ، الذي سينتهي فيه بناء المفاعل، خصوصاً بعد أن تعرض المشروع إلى العديد من التأجيلات. غير أن الشيء الذي يؤمن به الجميع، هو أن هذا المفاعل بعد انتهاء بنائه سيكون ترساً آخر من تروس سياسة الطاقة الفنلندية، التي تسعى إلى تنويع مصادر الطاقة المتاحة في البلد، وتقليص اعتمادها الدائم على روسيا في الحصول على الكهرباء الرخيصة. وهذا المفاعل هو جزء من اتجاه عالمي نحو الاعتماد على الطاقة النووية في توليد الكهرباء، وذلك بسبب الهموم المتعلقة بتأثيرات الإحتباس الحراري الناتج عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الجو من المشروعات، التي تعمل بطاقة البترول وغيره من أنواع الوقود الأحفوري. وقد اختار الفنلنديون أن يبدؤوا ببناء أكثر أنواع المفاعلات تقدماً، وهو ذلك الذي يطلق عليه"المفاعل الأوروبي المكيف الضغط"، المنتج من قبل "كونسورتيوم" من الشركات الهندسية الفرنسية والألمانية، والذي يعتبر من أكثر أنواع المفاعلات تطوراً وأكثرها أماناً وقوة- بحسب مصادر في تلك الشركات. وليس من المتوقع أن يحدث في هـذه المدينة المحاطة بالغابات، والتي تقع على بعد ثلاث ساعات بالسيارة من هلسنكي، ما يحدث عادة في أماكن أخرى في العالم يقام فيها مفاعلات نووية، فليست هناك مسيرات، ولا كتابات احتجاجية على الجدران، كما أنه ليس هناك عرقلة للبناء. ليس هذا فحسب بل إن بناء المفاعل أدى إلى وجود نوع من الازدهار الاقتصادي، فإذا أخذنا البلدة الصغيرة المسماة"راوما" ببيوتها الخشبية الملونة بأقلام الباستيل والتي تقع على بعد 10 أميال من"أولكيليوتو"، سنجد أن العمال والفنيين المهاجرين البالغ عددهم 4000 شخص والقادمين من 30 دولة مختلفة، قد خلقوا حالة من الرواج في المحلات التجارية الواقعة في منطقة وسط البلدة ، وهو ما دفع رجال الأعمال إلى افتتاح مركزين تجاريين كبيرين على أطرافها لمواجهة الطلب المتزايد على المواد الاستهلاكية. علاوة على ذلك، وجدت شركات البناء المحلية التي كانت على وشك التوقف فرصة جيدة من خلال المشاركة في بناء المفاعل الجديد، كما أن الضرائب التي يتم تحصيلها من العمال والمهندسين الفرنسيين والألمان الذين جاءوا للعمل في البلدة والتي تتجاوز 2.5 مليون دولار سنوياً تساهم هى الأخرى سلطاتها على مواجهة بعض النفقات التي تحتاج إليها. يقول "اكو هيرفونسالو" عضو مجلس الادارة المنتدب لغرفة التجارة والصناعة في البلدة:" هناك صحفي وصل مؤخرا من هلسنكي كي يسألنا إلى أي مدى سنستمر في تأجيل استكمال بناء المفاعل"، ويضيف "هيرفونسالو"وهو يبتسم: "إني أريد أن أطمئنه وأقول له إننا هنا في هذه البلدة نؤدي عملنا بشكل جيد". على الرغم مما يقوله "هيرفونسالو"، فإن التأخيرات التي حدثت في عملية بناء المفاعل هي حقيقة واقعة، والدليل على ذلك أن السلطات المسؤولة طلبت من الشركات المنفذة تفكيك الدرع الضخمة للمفاعل، والتي وصل ارتفاعها الآن إلى 90 قدما، وإعادة بنائها مجدداً بعد أن تبين وجود خطأ في اللحام وعيوب في أعمال الخرسانة المسلحة. وقد ألقى الفنلنديون باللوم في التأخير على الشركة الفرنسية التي تتولى بناء المفاعل، والتي كانت قد أبرمت عقود مقاولة من الباطن مع بعض الشركات البولندية لتنفيذ جزء كبير من الأعمال سعياً لتخفيض التكلفة. من ناحيتهم يُلقى الفرنسيون وشركاؤهم الألمان بمسؤولية التأخير على الفنلنديين مشيرين في ذلك إلى تباطؤهم في إجراء المراجعات على عملية البناء من قبل هيئة السلامة النووية الفنلندية. بصرف النظر عن الجهة المسؤولة عن التأخير، فإن الحقيقة هي أن انطلاق المشروع قد تأخرلمدة عامين على الأقل حيث سيتم افتتاحه في عام 2001، وهو ما سيؤدي إلى زيادة التكلفة ووصولها إلى 6 مليارات دولار بعد أن كانت لا تزيد أصلا عن 3.8 مليار دولار. في الوقت الراهن يسعى الفرنسيون إلى الحصول على خدمات جهات تحكيم سويدية للبت في النزاعات القائمة مع الفنلنديين. فيما يتعلق بالتأخيرات يقول"جاك إيمانويل سولنيه" المتحدث باسم شركة " أريفا" القائمة بالبناء من مقر الشركة في باريس:" نحن لسنا في سباق، ويجب أن نعطى الأمر المزيد من الوقت، خصوصاً وأن العمر الافتراضي المقدر لهذا المفاعل يصل إلى 60 عاما". ويقوم سكان "رواما" بقياس الأكلاف والمنافع التي ستعود عليهم من بناء المفاعل. وفي الحقيقة أن المعارضة الوحيدة الواسعة النطاق هنا لبناء مفاعلات للطاقة النووية في هذه البلدة، تأتي من منظمة "جرينبيس"، التي تحذر من خطر الإشعاعات، واستنزاف الاستثمارات بدلًا من توجيهها لمصادر الطاقة البديلة الأخرى مثل طاقة الريح والشمس وأمواج المد البحري. جون تاجليابيو- فنلندا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"