لأن سقف التوقعات في الشرق الأوسط عالٍ جداً والحاجة إلى التغيير ماسَّة، فإن كل الأنظار ستكون شاخصة خلال الشهرين المقبلين نحو القرارات الأولى التي يتخذها الرئيس المنتخَب باراك أوباما. ولكن لهذا السبب بالذات أعتقد أن على قيادات المنطقة ألا تكتفي بدور المتفرج خلال هذه الفترة الانتقالية الحاسمة؛ وهذا ينطبق بشكل خاص على الجهود المبذولة للتوصل إلى سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. والحال أن الضرر الذي تسببت فيه ثماني سنوات من إهمال وتهور إدارة بوش واضح ومعروف. فالبيت الفلسطيني في حالة فوضى في ظل انقسام القيادة في الضفة الغربية وغزة جغرافياً وإيديولوجياً. وغزة، الخاضعة لسيطرة "حماس"، مخنوقة جراء حصار قمعي وتقطع الهدنة بين الحين والآخر بفعل الهجمات الصاروخية والغارات الإسرائيلية. والضفة الغربية نفسها تتعرض للخنق ببطء بسبب النمو والتوسع المستمرين للمستوطنات، والمئات من نقاط التفتيش المذلة والمهينة، والتواء الجدار القمعي داخل الأراضي لفلسطينية وخارجها. وفي أكثر من مناسبة، أعلن أوباما أنه سيجعل من السلام الإسرائيلي/ الفلسطيني إحدى أولويات إدارته، وأنه سيسلك مسلكاً مغايراً لذاك الذي سلكه بوش. ولكن حتى نكون صادقين مع أنفسنا، علينا أن نقر بأنه حين يؤدي أوباما اليمين الدستورية في العشرين من يناير، فإنه سيجد على الأرجح وضعاً غير مشجع أمامه في الشرق الأوسط. ذلك أنه إذا لم يتغير شيء خلال الشهرين المقبلين، فإن البيت الفلسطيني سيظل منقسماً، والإسرائيليين سيظلون بدون حكومة أو تفويض واضح. وبالتالي، فإن السؤال الذي ستجد الإدارة الجديدة نفسها أمامه هو: هل يمكن فعل أي شيء؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف نبدأ؟ ولأنني أعتقد أنه يمكن اتخاذ خطوات، على جانب العرب على الأقل، من أجل ترتيب بيتهم قبل العشرين من يناير، فإن على قيادات المنطقة أن تستغل فترة الشهرين المقبلين بحكمة وذكاء. أولى الأولويات هي تحقيق المصالحة الفلسطينية وتشكيل حكومة فلسطينية فعالة وموحدة تستطيع أن تحظى بالدعم الشعبي واحترام المجتمع الدولي. وهذا سيقتضي أكثر من مجرد إعادة تفعيل لاتفاق مكة. فالحقيقة أن المقترح الحالي الذي يجري تداوله في القاهرة يقدم إطاراً جيداً بالنظر إلى تركيزه على إعادة تشكيل حكومة إجماع وطني وإنشاء قوات أمن مدربة ومدعومة من قبل العرب. واحترام القيادتين الفلسطينيتين لما يُتفق عليه ضروري وأساسي بالطبع، ولكنه ظل حتى الآن صعب المنال. وبالتالي، فبدلاً من التهديدات الجوفاء الحالية بالعقوبات أو بفضح المخالفين، يتعين على القيادات العربية أن تخلق الحوافز من أجل قبول الاتفاقات. ومن الواضح أن أشد ما تحتاجه الضفة الغربية وغزة هو خلق الوظائف والبنى التحتية والمشاريع المساهمة في النمو إضافة إلى المساعدات الفورية. والحق أن العرب يساهمون دائماً في الجهود الدولية لدعم ميزانية السلطة الفلسطينية؛ غير أن ذلك يحافظ فقط على الوضع القائم على حاله. وبالتالي، فمن أجل التقدم إلى الأمام، أقترح خلق صندوق ضخم بمليارات الدولارات، يمكن أن نسميه "صندوق تحفيز السلام والمصالحة"، يكون دوره توفير المساعدات الفورية والاستثمارات الخالقة للوظائف حين يتفق الجانبان على اتفاق شبيه بما يجري تداوله في القاهرة هذه الأيام، على أن يكون الهدف الرئيسي من الصندوق هو دعم الشعب الفلسطيني، وخلق الحوافز والضغوط حتى توافق القيادتان المنقسمتان على حكومة جديدة تكون، بدعم من العرب، مستعدة وقادرة على صنع السلام. إضافة إلى تنصيب أوباما، هناك أيضاً موعدان حاسمان يقتربان بسرعة. إذ لابد من التوصل إلى اتفاق فلسطيني قبل التاسع من يناير، وهو التاريخ الرسمي لنهاية ولاية محمود عباس الرئاسية، وإلا فإن الوضع الفلسطيني الداخلي الهش أصلًا قد يتفاقم أكثر ويزداد سوءاً. ولا تقل أهمية عن هذا التاريخ انتخابات العاشر من فبراير في إسرائيل. ولذلك، فمن شأن التحرك بسرعة نحو تحقيق توافق فلسطيني ونسخة موسعة ومحسنة من مبادرة السلام العربية أن يزيل الأخطار التي يطرحها التاريخ الأول، وأن يُحدث تأثيراً إيجابيا بالنسبة للثاني.