سياسة زيادة عدد القوات الأميركية في العراق،كانت من أنجح الإنجازات العسكرية الأميركية في السنوات الأخيرة. وكان هذا الإنجاز ناجحاً إلى الدرجة التي أدت إلى ظهور إجماع مؤداه أن ما قد نحتاج إليه في أفغانستان في الوقت الراهن قد يكون شيئاً مماثلاً، خصوصاً وأن الرئيس المنتخب باراك أوباما قد أعلن في سياق حملته الانتخابية أنه ينوي القيام بذلك الشيء تحديدا إذا ما أصبح رئيساً، وهو ما أعلنه منافسه في الانتخابات"جون ماكين" أيضاً. وعلى رغم أن الكثيرين دأبوا من حين لآخر على اتهامي- باطلاً- بأنني ضد سياسة زيادة القوات في العراق، فإن ذلك لا يحول بيني وبين القول إنه إذا ما كانت تلك السياسة قد نجحت في العراق، فذلك يعود إلى الظروف السائدة هناك. فقرار الرئيس بوش بإرسال عدد إضافي من القوات لدعم الحملة الأوسع نطاقاً ضد التمرد، ولحماية الشعب العراقي، كان هو القرار السليم في التوقيت السليم. فبحلول عام 2007، كان الصراع في العراق قد خلق ظروفاً جديدة ملائمة لحدوث تحول في ذلك البلد يمكن إجمالها في يلي: -أدت حملة الإرهاب والرعب، التي شنها تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين"، إلى إنقلاب قاعدته السُنية عليه، وظهور ما يعرف بمجالس الصحوة في محافظة الأنبار في صيف عام 2006، والتي تبعتها "صحوات" أخرى عديدة بمختلف المناطق. - خلال السنوات 2003-2006، تمكنت القوات الأميركية تحت قيادة "جون أبي زيد" والجنرال "جورج كيسي" من إلحاق خسائر فادحة بقيادات النظام البعثي، وتنظيم "القاعدة"، كما تم أسر وقتل الآلاف من المتمردين وعلى رأسهم قائد تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين"أبو مصعب الزرقاوي". بحلول ديسمبر2006، كان قد تم تدريب 230 ألف عراقي، وتزويدهم بالأسلحة والمعدات اللازمة، التي جعلت منهم قوة قادرة على تقديم يد المساعدة في القتال، الذي خاضته القوات الأميركية ضد العدو في المناطق الصعبة. وأدى التغير في المشهد العراقي إلى تغيير موقف رجل الدين الشيعي المثير للقلاقل "مقتدى الصدر" الذي أعلن قبوله لوقف إطلاق النار في فبراير 2007، كما تحركت حكومة رئيس الوزراء "نوري المالكي" التي عُينت في مايو 2007، ضد المليشيات بشكل عام والمليشيات المدعومة من إيران بشكل خاص ورفضت- بشكل غير كامل ولكنه ملحوظ على أي حال- السياسات الطائفية الضيقة. وأفضل دليل يمكن تقديمه لإثبات أن التوقيت هو أهم عنصر على الإطلاق، هو أن هناك مرات سابقة تم فيها زيادة عدد القوات ولكنها لم تحقق نفس النتيجة التي تحققت عام 2007. والقرار الخاص بزيادة عدد القوات في العراق جاء ثمرة لعملية مراجعة شاملة شاركت فيها الأجهزة المختلفة في الإدارة الأميركية في خريف عام 2006. وبحلول منتصف ديسمبر 2006، وفي الوقت الذي كنت فيه على وشك مغادرة البنتاجون، كان هناك شبه إجماع حول ضرورة نشر ألوية قتالية إضافية في العراق.آنذاك طرح بعض القادة العسكريين أسئلة معقولة حول الفاعلية المحتملة لتلك السياسة تنطلق جزئياً من قناعتهم بأن القوة العسكرية وحدها لن تكون كافية لحل مشكلات العراق. في ذلك الوقت وافقت على آراء هؤلاء القادة، وشددت على ضرورة أن يكون العمل العسكري متبوعاً بزيادة مماثلة في الجهدين الدبلوماسي والاقتصادي، من جانب وزارات وأجهزة أخرى في الحكومة الأميركية، وبجهد أكبر بكثير من قبل قادة العراق المنتخبين. وخلال أسابيعي الأخيرة في المنصب، تقدمت بتوصية للرئيس بوش بالنظر في اختيار الجنرال "ديفيد بيترايوس" كقائد لقوات التحالف في العراق، لأن مدة الجنرال كيسي في الخدمة هناك كانت على وشك الانتهاء. وكان الرأي الذي طرحته على الرئيس هو أن الجنرال ديفيد بيترايوس ونائبه الجنرال "راي أوديرنو" يمتلكان من المهارة والخبرة ما يمكنهما من استثمار التحولات الجذرية في المشهد السياسي العراقي في ذلك الحين، وأن القوات الأميركية هناك تمتلك القدر الكافي من الشجاعة التي يمكنها من اكتساب ثقة الشعب العراقي وتعاونه في مواجهة العدو المشترك، كما تمتلك أيضاً الرغبة الصادقة في تقديم يد العون لهذا الشعب بما يكفي لاكتساب صداقته. من حق الأميركيين أن يشعروا بالفخر لما حققوه في العراق خلال فترة الخمس سنوات ونيف التي قضوها هناك، وكذلك لما حققته سياسة زيادة القوات من نتائج فاقت ـ حتى الآن على الأقل ـ توقعات أكثر المتفائلين بما فيهم أنا شخصيا. القرار الذي اتخذه بوش بهذا الشأن عام 2007 قد بعث برسالة واضحة لكل من كان يعنيهم الأمر أنه ليس في نيته التخلي عن الشعب العراقي، وتركه فريسة في أيدي فرق الموت وجماعات الإرهاب. ونحن بحاجة إلى نفس هذا الالتزام، ولكن لمساعدة الشعب الأفغاني هذه المرة. بيد أنه يجب أن يكون مفهوما أننا قد لا نتمكن من تحقيق ما حققناه في العراق من نجاح باستخدام نفس التكتيكات والاستراتيجيات؛ فالطريق الذي سنسلكه في أفغانستان يجب أن يكون موافقاً لحقائق الأوضاع على الأرض، وطبيعة الظروف السائدة هناك. فزيادة عدد القوات في أفغانستان شيء مطلوب، بيد أنه لن يكون كافياً لتحقيق نتائج مماثلة لتلك التي تحققت في العراق، لأن الظروف التي كانت قد توافرت في هذا البلد، قد لا تكون متوافرة في أفغانستان بالضرورة. فالشيء المطلوب في أفغانستان هو حل أفغاني تماماً، ومثلما ساهمت الحلول العراقية بشكل جوهري في التقدم الذي حدث في العراق، فإن الحلول الأفغانية يجب أن تساهم هي أيضاً ـ بشكل جوهري ـ في تحقيق التقدم في أفغانستان. السؤال الذي لم تتم الإجابة عليه في سياق النقاش الدائر حالياً حول أفغانستان هو: ما هو عدد القوات الإضافية التي ستحتاج أميركا إلى ضخها في أفغانستان، التي تزيد مساحته عن مساحة العراق بمقدار 80 ألف ميل مربع، والذي لا يزيد حجم قواته الأمنية مع ذلك عن ربع حجم قوات الأمن العراقية. علاوة على ذلك، تفتقر أفغانستان إلى ما لدى العراق من ثروة نفطية وغيرها من المزايا الأخرى، كما أنها مبتلاة بتجارة المخدرات، وتتعرض حدودها لتهديد من ملاذات "القاعدة" في المناطق الحدودية المجاورة في باكستان، ولا تبدو قبائل البشتون التي تشكل غالبية القبائل الموجودة على جانبي الحدود الأفغانية الباكستانية أي رغبه في التوحد فيما بينهما، ومواجهة المتمردين الموجودين بين ظهرانيها،كما فعلت القبائل العربية السُنية في العراق. علاوة على ذلك، فإن لأفغانستان تاريخا طويلا في هزيمة الغزاة الأجانب، مهما كانت أعدادهم والذين كان آخرهم الاتحاد السوفييتي السابق الذي ضخ مئات الآلاف من الجنود إلى ذلك البلد، ومع ذلك خرج منكسراً من هذا البلد. وقيام الولايات المتحدة بضخ أعداد إضافية من القوات إلى أفغانستان، يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التوتر وخصوصاً في المناطق الجنوبية التي يسكنها البشتون، والتي يشتد فيها التمرد. فقط القوات الوطنية الكفؤة هي القادرة على هزيمة التمرد في النهاية، على أن تكون مدعومة في ذلك بقوات التحالف. يرجع ذلك لحقيقة أن تلك القوات هي وحدها القادرة على دخول المناطق العنيفة وتأمين وحماية السكان المحليين لتشجيعهم على التعاون مع الحكومة دون أن يفقدوا حياتهم. أما الاقتراح الحالي بالدخول في" مفاوضات مفتوحة" مع "طالبان" فقد يكتسب بعض المؤيدين على المستويين الأدنى والأوسط، بيد أننا إذا أخذنا التاريخ دليلاً، فإننا سنصل إلى نتيجة مؤداها أن مد يد السلام للمتشددين قد لا يكون خياراً ناجحاً على الأرجح. لذلك هناك حاجة لاستمرار العمليات الهجومية ضد ملاذات "القاعدة" و"طالبان" في باكستان، على أن يعمل المسؤولون الباكستانيون الرسميون على عزل أي جماعات في قواتهم المسلحة، أو في أجهزتهم الاستخبارية تكن مشاعر التعاطف مع "طالبان".خلال أسابيع قليلة سيتحمل الرئيس المنتخب باراك أوباما بصفته قائدا أعلى للقوات المسلحة الأميركية، مسؤولية قيادة أمة في حالة حرب، ويجب أن يضع نصب عينيه وهو يقوم بذلك أن الوقت والمرونة هما العنصران الثابتان اللازمان لأي نجاح عسكري، وأنه في الصراع مع عدو قابل لتكييف نفسه ولديه القدرة على التفكير، ليس هناك نمط معين لتحقيق النجاح، وأن الزيادة سواء في القوات أو غير ذلك، قد لا تكون هي الشيء الأفضل بالضرورة. إن السمة الفريدة للطريقة الأميركية في شن الحروب، هي القدرة التي تدعو للإعجاب لقواتنا على التقدم، واستيعاب النكسات، والتكيف مع الظروف المتغيرة . وهكذا كان في العراق، وهكذا يجب أن يكون في أفغانستان بشرط أن يكون لدينا الصبر والحكمة للتعلم من نجاحاتنا، وأن يكون لدى قادتنا الوسائل التي تمكنهم من المحافظة على تلك السمة الفريدة حتى في تلك الأوقات التي قد لا يكون القيام فيها بذلك شيئاً مقبولًا. دونالد رامسفيلد ___________________ وزير الدفاع الأميركي السابق ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"