يحتاج اقتصادنا وأمننا في مجال الطاقة بشكل عاجل إلى عملية إعادة هيكلة لقطاع صناعة السيارات تدعمها الحكومة، لأنه إذا سمحت إدارة بوش بانهيار قطاع صناعة السيارات، فإن ذلك سيكرس ويضاعف الخوف والهلع الذي بدأ مع إفلاس بنك "ليمان براذرز". وبالتالي، فعلى واشنطن أن تغتنم الفرصة للتأسيس لعهد جديد للزعامة الأميركية في قطاع صناعة السيارات العالمي، بدءاً بتقديم قروض فورية لهذا القطاع. أولًا، هذه فرصة للشروع في عملية كبيرة لإعادة الهيكلة بغية وضع الولايات المتحدة في موقع الزعامة بخصوص إنتاج السيارات التي تقطع 100 ميل أو أكثر بواسطة جالون واحد من الوقود. والواقع أن هذا الإنجاز بات أقرب مما يعتقد الكثيرون، مع قرب خروج سيارة "تشيفي فولت" الهجينة الرائدة في 2010 إلى الأسواق إضافة إلى نماذج أخرى متنوعة لسيارات هجينة. كما أن سيارات خلايا الوقود المصنعة في الولايات المتحدة يمكن أن تصبح واقعاً ملموساً في غضون عقد من الزمن. وهذا النجاح سيعزز بشكل كبير الأمنين الطاقي والقومي، وسلامة المناخ، والقدرة التنافسية للولايات المتحدة في العالم. وبالتالي، فالمطلوب اليوم هو شراكة بين القطاعين العام والخاص للمساعدة على إحداث هذا التحول. ثانياً، إن الإغلاق المفاجئ لإحدى شركات صناعة السيارات سيمثل كارثة حقيقية لأنه سيزيد من تدهور الاقتصاد. ونظراً لتأثيره على قطاع قطع الغيار، فإن من شأن إغلاق شركة واحدة أن يعرض للخطر كل القطاعات المرتبطة بقطاع صناعة السيارات. وبالتالي، فإن الوظائف المعرضة للخطر لا تقتصر على المليون وظيفة في تجميع السيارات وصناعة قطع الغيار، وإنما تشمل ملايين أخرى إضافية ستصبح ضحية ما سينتج عن ذلك من عمليات إفلاس متلاحقة. كما من شأن ذلك أن يدمر منطقة الوسط الغربي بكاملها - وبخاصة ميشيجان وأوهايو وإنديانا وإيلينوي وتينيسي -وستمتد تداعيات ذلك عبر العالم. ثالثاً، إن أي عملية إعادة هيكلة تتم تحت الفصل الحادي عشر الخاص بقواعد الإفلاس ستفضي إلا الهلاك. صحيح أن الفصل العاشر يمكن أن يوفر، في بعض القطاعات، جرعة أوكسجين؛ غير أنه، في حالة قطاع صناعة السيارات، سيعجل بانهيار طلب المستهلك، وبالتالي، الإفلاس الجماعي لشركات صناعة قطع الغيار. فالمستهلك حين يختار سيارة لشرائها، يبني قراره على جملة من الأمور من بينها التوقعات بخصوص صحة الشركة المصنِّعة على الأمد الطويل، والتي يعتمد عليها بخصوص قطاع الغيار والخدمة وقيمة إعادة البيع. إن القطاع ليس في حاجة إلى كساد، وإنما إلى تغيير تكنولوجي من أجل أمن الطاقة والمناخ على المدى الطويل. فانهيار المبيعات السنوية الذي حدث مؤخراً، من 17 مليون سيارة إلى 11 مليونا، ليس دائماً وإنما دوري. ومع مرور الوقت، سترتفع المبيعات، وبخاصة مع تحول أعداد متزايدة من الناس في الصين والهند وأسواق نامية أخرى إلى مستهلكين. ويبرَّر توقع ارتفاع المبيعات الأميركية من 15 مليونا إلى 20 مليون وحدة في السنة بعمليات استبدال السيارات التي يستعملها الأميركيون اليوم والبالغ عددها 240 مليون سيارة؛ كما ستنمو السوق الأميركية أيضاً بموازاة مع نمو السكان والمداخيل. بيد أن شركات صناعة السيارات لا تستطيع اللجوء إلى الاقتراض العادي، من أجل دعمها خلال هذه الأوقات العصيبة، حتى يحدث ذلك، وذلك بسبب الأزمة التي ألمت بأسواق رؤوس الأموال. فخطر سندات الشركات على سندات الخزينة الأميركية، هو الأكبر من نوعه اليوم في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد، والكثير من المقترضين لا يستطيعون الحصول على قروض. ولذلك، شرعت الحكومة في سلسلة من التدخلات المباشرة بقيمة تريليون دولار، يفترض أن يُخصَّص جزء صغير منها لقطاع السيارات. في هذه الظروف، لا يمكن استعمال اختبار السوق العادي الذي يقيم طلب المستهلك لإصدار أحكام بخصوص أي القطاعات ستبقى وتصمد. ذلك أننا نعيش اليوم أسوأ تراجع مؤقت في إنفاق المستهلك منذ "الكساد الكبير"، حيث انهار تمويل شراء السيارات، وأخذت العائلات تتقشف وتقلص حجم إنفاقها بعد الخسارات الكبيرة التي أصابت الأسهم وقطاع العقارات. وعلاوة على ذلك، فإن تحولًا من أجل نمو مستديم لشركات صناعة السيارات على المدى الطويل، سيتطلب تضافر جهود كل من السوق والحكومة؛ فهناك حاجة ماسة إلى سياسات وتمويل عامين لدعم البحث والتطوير بخصوص البطاريات عالية الأداء، وخلايا الوقود، وبخاصة تحديث وعصرنة شبكة الكهرباء الوطنية وبنى تحتية أخرى. وهذه خطوات لا تستطيع شركات صناعة السيارات (بل والقطاع برمته) تحقيقها بمفردها. البعض يريد رؤية القطاع يعاقب لأنه أهمل الوقائع المتعلقة بالبيئة والطاقة؛ غير أنه علينا أن نعترف بأن عهد المركبات الرياضية الضخمة (إس. يو. في)، عكس سوء تقدير من جانب المجتمع برمته. صحيح أن القطاع تجاهل التحذيرات بخصوص الطاقة والمناخ، ولكن كذلك فعل الجمهور والسياسيون أيضاً. وبالتالي، فبدلاً من قتل قطاع صناعة السيارات، بما ينطوي عليه ذلك من تدمير للاقتصاد الأميركي، علينا أن نسارع في إصلاح القطاع، ونحن نمتلك شعوراً وطنياً بالمسؤولية والهدف. (كما يتعين أن نصلح نظام الرعاية الصحية الذي يوشك على الانهيار، والذي أثقل كاهل القطاع والاقتصاد بتكاليف عالية). هناك الكثير من المشاكل المتعلقة بوضع وتصميم عملية إعادة هيكلة طويلة الأمد. فالحكومة تحتاج إلى السلطة لقيادة تجمع شركات عام- خاص من أجل خلق اقتصاد قوي في العقد القادم. وستكون ثمة حاجة إلى تمويل عام وخاص من أجل البحث والتطوير واختبار التكنولوجيا المتقدمة. إننا نواجه معضلة مالية وأزمة طاقة وتهديدات بيئية غير مسبوقة، ينبغي على قطاع صناعة السيارات الأميركي النامي والنشط أن يلعب دوراً مهماً في حلها. ولئن كانت التكنولوجيات الناجحة باتت قريبة والقطاع أحرز تقدما كبيوراً، فإن الشراكة مع الحكومة أمر أساسي وينبغي أن تبدأ على الفور. جيفري دي. ساش ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مدير "معهد الأرض" بجامعة كولومبيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"