تواجه الكويت هذه الأيام أزمة سياسية جديدة بسبب الخلافات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، حول سماح الحكومة لرجل دين إيراني بدخول البلاد.. حيث يرى نواب الإسلام السياسي أن دخوله للبلاد غير مرغوب فيه بسبب مواقف دينية له لا ترضى عنها الجماعة السلفية المتطرفة. لن نتطرق في هذا المقال لطبيعة الخلاف بين السلطتين في الكويت، لأن الصحافة المحلية والعربية أسهبت في ذكر خلفياته، ما يهمنا هنا، لماذا لم تستقر الديمقراطية الكويتية رغم مرور نصف قرن تقريباً على ممارستها، وما هي الأسباب والدوافع التي أدت إلى الخلافات المزمنة بين السلطتين؟ إن نجاح الديمقراطية في أي بلد يتطلب وجود شعب وأمة تؤمن بها ولديها الاستعداد للدفاع عنها، ما هو موجود في الكويت الآن هو قوى وأحزاب سياسية ذات إنتماء قومي وليبرالي وإسلامي، كلها تدعي بأنها تؤمن بالديمقراطية وأنها تدافع عن الحريات، لكن واقع الحال والممارسة العملية في المجلس تدل على مصادرتهم للحريات وطرح تفاسير ومفاهيم خاطئة لمعنى الديمقراطية والحرية، فكل حزب أو تجمع لديه مفهومه الخاص للديمقراطية ومتطلباتها وشروط تحقيقها، مما يدل على أن الوعي الديمقراطي ليس موجوداً لدى النخبة السياسية التي تقود الحركات السياسية، فما بالك ببقية الشعب الكويتي. إننا لا نبالغ عندما نؤكد بأن أكثر الموضوعات استهلاكاً في الكويت هي كلمتي دستور وديمقراطية سواء من قبل الحكام أو المحكومين، ومن كثرة استعمال هاتين الكلمتين فقدتا مدلولهما الحقيقي، وخصوصاً أن سبب الأزمة الحقيقي هو تجاوز السلطة التشريعية لصلاحيات السلطة التنفيذية. ومن مراقبة البيانات والأدبيات التي تصدرها القوى السياسية، يلاحَظُ تأييدهم ودعمهم للحريات التعددية الفكرية والسياسية، لكن الممارسة السياسية على أرض الواقع عكس ذلك.. فالحركة السلفية تريد مساءلة رئيس الوزراء لأن الحكومة سمحت بدخول رجل دين شيعي.. لقد فقد نواب مجلس الأمة مصداقيتهم من كثرة الكلام عن الدستور والمحافظة على المكاسب الدستورية، بينما هم في الواقع العملي أول الناس المخالفين للقوانين، بتدخلهم في أعمال السلطة التنفيذية وتوسطهم للأقارب من أبناء القبيلة أو المنطقة. فشل الممارسة الديمقراطية في الكويت يعود إلى ضعف الثقافة الديمقراطية، والمقصود بالثقافة هنا، هو وجود قطاع كبير من المواطنين الذين يؤمنون بالديمقراطية ولديهم الاستعداد للدفاع عن مفاهيمها الأصيلة، وهي الحرية والعدالة ومبدأ تكافؤ الفرص وحكم القانون واحترام حقوق الإنسان، هذه المفاهيم الديمقراطية لم تترسخ في المجتمع رغم مرور أكثر من 46 عاماً على العمل الديمقراطي، بل نرى النزعة الاستبدادية ومصادرة حقوق الآخر وغياب روح التسامح والوسطية وعدم احترام القانون... تتطلب الديمقراطية لنجاحها الأرضية الصالحة لها، ولكي يتحقق ذلك تحتاح إلى عملية تطور تاريخي حضاري مؤسس يعتمد على التراكم وبناء تقاليد ديمقراطية لاحترام الرأي الآخر وسيادة القانون ومساءلة الحاكم الذي يختاره المحكومون، وتمثيل الأقلية في إطار من المشاركة السياسية. المشروع الديمقراطي في الكويت لم يأت نتيجة لتراكم تاريخي بل أشبه ببرنامج اتُّفِقَ عليه بين النخبة التجارية والأسرة الحاكمة قبل أكثر من 46 عاماً. إن الأزمة التي تعيشها حركة الديمقراطية في الوطن العربي، والكويت جزء منه، هي أزمة فكر وأزمة مجتمع مدني، ومنها جاء إخفاق كل محاولات النهضة والتحديث المجتمعي، وفشل المؤسسات في بناء دولة القانون التي تخدم كل المتطلبات الشعبية.