شهدت العاصمة السورية، مؤخراً، أسبوعاً ثقافياً إماراتياً ضمن فعاليات الاحتفال بدمشق عاصمة للثقافة العربية لعام 2008. وبحسب التقارير الصحفية، فقد شارك في الأسبوع الثقافي الإماراتي العديد من الشعراء والأدباء، وشاركت كذلك فرق الفنون الشعبية. ولا شكّ في أن اهتمام وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع بالمشاركة في مثل هذه الأسابيع الثقافية والمهرجانات الخارجية مسألة تستحق التشجيع والاهتمام كونها تلعب دوراً بارزاً في التعريف بفنون الإمارات وثقافتها وتراثها، فضلاً عن أن الفنون باتت إحدى أدوات "تسويق" الدول في ظلّ عولمة تشهد تنافساً محموماً بين الدول والشعوب في مختلف المجالات، ومن بينها الفن والثقافة، اللذان يلعبان دوراً بارزاً أيضاً ضمن أدوات دعم الصور النمطية للشعوب وتعريف "الآخر" بدولنا، ناهيك عن مهام وأدوار أخرى إيجابية بات يلعبها التواصل الثقافي وصولاً إلى دوره كأداة دبلوماسية يتم توظيفها في أحيان كثيرة لمصلحة إنجاح أجندة العمل السياسي وتعزيز العلاقات بين الدول والشعوب. في كثير من مشاركات الفرق الإماراتية في الداخل والخارج، يتجسّد مدى اهتمام الجمهور بالتعرّف إلى التراث الإماراتي، ومفرداته، ما يطرح بالتبعية أهميّة تكثيف مشاركة هذه الفرق في شتّى مناسبات الداخل الإماراتي، خصوصاً في المناسبات الوطنية، وأهمّها على الإطلاق "العيد الوطني"، الذي باتت الاحتفالات به على الأبواب. احتفالات "العيد الوطني" في السنوات الأخيرة باتت مكثفة وتشهد فعاليات مختلفة تعرض خلالها فنون من العالم أجمع، من بينها بالطبع الاحتفالات التراثية المحلية، وفي احتفالات "العيد الوطني" المقبلة تقدّم "هيئة أبوظبي للثقافة والتراث" عملاً فنياً مسرحياً احتفاء بهذه المناسبة، بعنوان "زايد والحلم"، كما أعلنت هيئات ثقافية وتراثية عدّة عن فعاليات واحتفاليات وطنية كثيرة، ولكن الموضوعية تقتضي القول، إن التركيز على ترسيخ الهوية الوطنية من خلال هذه الاحتفالات لم يزل يحتاج إلى المزيد، ولم يزل توظيف المناسبات الاحتفالية الوطنية كمنطلق لتعميق أسس الهوية الوطنية بحاجة إلى مزيد من الاهتمام والجهود من جانب هيئات ومؤسسات مجتمعية أخرى وليس الهيئات المعنية بالتراث والثقافة فقط. هذا الكلام لا ينفي مطلقاً أن هناك جهوداً كبيرة تبذل من جانب الهيئات الاتحادية والمحلية في المناسبات والاحتفالات الوطنية محورها الأنشطة الثقافية والفنية المحلية، لكن لم يزل تقديم هذه الأنشطة وعرضها يحتاجان إلى مزيد من الانتشار بين جمهور المواطنين والمقيمين، بحيث تصبح الأنشطة الثقافية والفنية المحلية محور الاحتفالات بأعيادنا الوطنية، وبحيث تصبح الهوية الوطنية طاغية على هذه الاحتفالات التي تشكّل فرصة هائلة لترسيخ مفهوم الهوية والاعتزاز والاحتفاء بها، خصوصاً ونحن في عام هو بالأساس عام الهوية الوطنية. هناك جدل يثار بين فترة وأخرى، على خلفيّات حدث أو واقعة ما، حول مدى إدراك الأجانب، زائرين أو مقيمين، للقيم والتقاليد والعادات المجتمعية السائدة، وأحياناً تتهم الجهات المعنية بالتقصير في تعريف هؤلاء الأجانب بالقيم والعادات، ولعلّ في الاحتفالات الوطنية مجالاً ومتّسعاً يوفر قنوات اتصال فاعلة للتعريف الحقيقي بمجتمع الإمارات وعاداته وتقاليده وبشكل حضاري غير مباشر من خلال الأنشطة الفنية والثقافية والأشكال الاحتفالية الأخرى، وما يضاعف من ذلك أن هناك إقبالاً ملحوظاً على أي أنشطة ثقافية محلية من المقيمين والزائرين في مختلف مدن الدولة. فترة الأعياد المقبلة (العيد الوطني وعيد الأضحى المبارك) فترة عطلات طويلة نسبياً للمدارس والجامعات، وتوفر مجالاً زمنياً ومتّسعاً من الوقت كي تجول فرق الفنون الشعبية بمختلف إمارات الدولة ومدنها، كي تعرض شتى فنونها وفق خطط منسّقة ومبرمجة بشكل حضاري يتيح الاطّلاع على مختلف الأنشطة التراثية والثقافية في مختلف مناطق الدولة، كي يصبح الاحتفال بالذكرى السابعة والثلاثين لقيام دولة الاتحاد ذا طابع استثنائي هذا العام، كونه عام الهوية الوطنية، وكون الذكرى غالية وتستحق أن تصطبغ بصبغة ثقافية وفنية وطنية خالصة. ــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.