خلال الأسبوع الماضي، وبصحبة طيبة مع فريق إعداد برنامج "خطوة"، الذي أتشرّف بإعداده وتقديمه في تلفزيون أبوظبي، وبدعوة كريمة من الحكومة اليابانية، قمت بزيارة لليابان هذا البلد، الذي أدهش العالم في الحرب والسلم. جولتنا شملت العديد من المناطق، امتدت من طوكيو العاصمة حتى هوروشيما، إضافة إلى مواقع أخرى في اليابان. ومن ينظر إلى هذا البلد بأسلوب النقد يلمس فيه مشكلتين محوريتين، يتكلم عنهما اليابانيون قبل غيرهم، والمشكلتان قابلتان للحل؛ لأن هذا الشعب شعب إرادة قوية للتغيير. التحدي الأول الذي يشغل بال اليابان اليوم هو تزايد أعداد كبار السن في المجتمع الياباني على حساب الأطفال فكبار السن، تجاوزوا النسب المتعارف عليها في المجتمع الطبيعي، وفي المقابل انخفضت أعداد المواليد، حتى أصبح العرق الياباني مهدداً بالانقراض، إذا لم يتدارك الناس هذه الأزمة. أما المشكلة الثانية، فهي أزمة يعانيها الشعب الياباني، تلك الأزمة أدت إلى تزايد أعداد المنتحرين سنوياً إلى مؤشرات خطرة، وهذه الأزمة تثبت للعالم أن الإشباع الجسدي والعقلي للإنسان لن يصل بنا إلى الشخص السوي؛ لأن الفراغ الروحي أخطر بكثير من الأزمات الجسمية التي قد يعانيها الإنسان. في رحلتنا إلى اليابان لم نكن نركز على الجوانب السلبية بقدر ما كنا نبحث عن دروس بإمكاننا نقلها إلى الشعوب العربية كي نستفيد منها. بلغة بسيطة، كنا ننظر بعين النحلة، التي لاترى إلا الورد كي تصنع منه العسل، ولم نكن نتأمل بعين الذبابة التي لا تقع إلا على الفضلات، كي تتغذى منها، لذلك قدمت المقال بالحديث عن معضلتين يعانيهما المجتمع الياباني. أما بقية الدروس، فهي إيجابية في طرحها. من موقع سقوط أول قنبلة ذرية في العالم، حيث النصب التذكاري لتلك المأساة التي راح ضحيتها أكثر من ثلاثمائة ألف إنسان، يقف الإنسان متأملاً كيف استطاع هذا الشعب تجاوز هذه المشكلة بجوانبها المادية والنفسية، فمن مشاكلنا نحن العرب الارتباط أكثر من اللازم بالمشاكل التي وقعت لنا في الماضي، ولا نستطيع تجاوزها، فمن تاريخنا القديم لا يزال البعض يناقش أزمة من الأحق بالخلافة بعد الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام)، وانقسم المسلمون إلى أكثر من طائفة، وللأسف، فإن هذا الانقسام ما زال مؤثراً في حياة العرب المعاصرة، ولو تأملنا التاريخ المعاصر، فإن بعض الدول العربية ما زالت تلوم الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين لتوقف حركة التنمية فيها، فشماعة التخلف العربي هي حرب الاستنزاف، التي تقودها إسرائيل ضد العرب. لكن لو أراد اليابانيون عذراً للتخلف، لما وجدوا أحسن من مقولة إنهم أول دولة في العالم تم ضربها بالقنابل الذرية، ولكن ماذا جرى في اليابان بعدها، لقد فقدت اليابان بعد تلك الحرب قوتها العسكرية، التي كانت تحتل بها مناطق واسعة من آسيا، لكن العقل الياباني العسكري تحول إلى عقل اقتصادي وعلمي، استطاع السيطرة على العلم كله اقتصادياً وتقنياً، فلا يكاد يخلو منزل في العالم من منتج ياباني. وأصبح العقل الياباني يبتكر للعالم أجود الأجهزة والتقنيات، لماذا تحولت أميركا المعادية لليابان إلى صديق وحليف استراتيجي لهذا البلد؟ درس مهم نتعلمه من أهل اليابان في أنه من ضحك أخيراً ضحك كثيراً، نعم خسرت اليابان حربها مع أميركا عسكرياً ووقعت وثيقة الانهزام في حرب عسكرية عالمية، لكن طوكيو وواشنطن استطاعتا تجاوز هذا التاريخ، كي تعود اليابان قوة اقتصادية وعلمية لايستهان بها. الدرس الآخر المهم من اليابان، هو العلم والتعلم، الذي أدهش العالم، فما زالت المدرسة اليابانية بيت خبرة لنا نحن التربويين في العالم، فالطفل الياباني يدرس أكثر من غيره من أطفال العالم، ومع هذا فمن جولتي في المدراس اليابانية تجد الأطفال والمعلمين يتمتعون بهذا العذاب، إن جاز التعبير، كلمة قالها لي أحد طلبة الإمارات الدارسين في اليابان، لا بد من تسجيلها، عندما سألته عن أبرز ما رآه في المدرسة اليابانية، حيث قال المعلم الياباني يختلف عن المعلم في الإمارات، مع تقديرنا للمخلصين من المعلمين لدينا. المعلم الياباني لا يكتفي بشرح الدرس والانصراف، لكنه يرى أن من واجبه أن يتعلم التلميذ الذي في صفه حتى لو اضطر هذا المعلم لزياده الزمن الذي يقضيه في الفصل مع التلميذ. نعم المعلم الياباني غير... لذلك نتائج التعليم لديهم متميزة.