لا شك أن انتخاب باراك أوباما، الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة، هو لحظة تاريخية تنطوي على أبعاد ودلالات عميقة بعدما أظهر الأميركيون مقدرة فذة على رص صفوفهم. ولم تكن أميركا وحدها المنتشية بهذا النصر الذي حققته على ماضيها بانتخاب أول رئيس أميركي أسود، بل شاركها الفرحة أغلب بلدان العالم التي رأت في انتخاب أوباما أملاً جديداً في إمكانية التغيير وعودة أميركا إلى مبادئها الراسخة في العلاقات الدولية التي جعلتها القوى الأولى في العالم. لكن الفرحة بطبيعتها قصيرة، لذا يجدر بنا نحن الأميركيين استغلال الزخم الناتج عن انتخاب أوباما رئيساً للبلاد للتصدي إلى المشاكل العاجلة التي تواجه الولايات المتحدة، وبالأخص تلك التي تحدد سياستها الخارجية وترسم علاقاتها الدولية. فبعد أن يُنصّب أوباما رئيساً رسمياً للبلاد خلال شهرين من الآن سيواجه عدداً من القضايا الشائكة والمستعصية على الساحة الدولية التي تتنافس جميعها على قسط من اهتمامه وجهده مع وجود مناصرين لكل قضية على حدة يدفعون في اتجاه التركيز عليها دون سواها. ومن ناحيتنا، نعتقد أن عملية السلام بين العرب وإسرائيل، هي إحدى أهم القضايا التي تستحق مركز الصدارة في سلم الأولويات. وقد رأينا كيف تلقى الشرق الأوسط أكثر من أي منطقة أخرى في العالم خبر انتصار أوباما بروح إيجابية، وكيف تفاءلت بإدارته القادمة لحل المشاكل العالقة في المنطقة وإخراج عملية السلام من ظلمة الدهاليز وقاعات المفاوضات إلى نور الواقع ورحباته ليتفيأ بخيراتها شعوب المنطقة. ومن هذا المنطلق لا بد من التذكير أن أي اهتمام بالصراع في الشرق الأوسط من قبل إدارة أوباما سيرسخ التفاؤل الذي انطبع في قلوب الناس عندما انتُخب رئيساً، ومع أن الجميع في الشرق الأوسط ليس متفقاً على أن القضية الفلسطينية تشكل التحدي الأكبر في المنطقة، يظل الشعور بالظلم المتولد في النفوس جراء معاناة الفلسطينيين، حقيقياً ومنتشراً على نطاق واسع. ومع الأسف، لن يكون بمقدور الإدارة الحالية التوصل إلى حلٍ مُرْضٍ للقضية الفلسطينية مع نهاية فترة ولايتها في العشرين من شهر يناير المقبل، وذلك رغم كل الجهود التي بذلتها والوعود التي قطعتها بهذا الخصوص. لكن علينا ألا نضيع الفرصة مرة أخرى بأن يفتر اهتمامنا بالصراع الشرق أوسطي، وإلا سيتعمق الإحساس بالظلم المنتشر في المنطقة، مما قد يؤدي في مرحلة لاحقة إلى انفجار العنف مجدداً بين الأطراف المتصارعة، أو اندلاعه في أماكن قريبة سواء في لبنان، أو غزة ليزيد من تعقيد الوضع الهش في المنطقة لترجع الأطراف جميعها إلى المربع الأول. ولعل أخطر ما قد يترتب عن هذا الفتور في الحماس تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط تلاشي حل الدولتين الذي يتم الترويج له حالياً، وتخلي الفلسطينيين كما الإسرائيليين عنه مع احتمال تجدد العنف، أو النزوع إلى حل الدولة ذات القوميتين. ولا يخفى على أحد التأثير الإيجابي الذي سيخلفه حل القضية الفلسطينية على عموم المنطقة، بحيث سيساهم في رفع القيود عن الحكومات العربية لمساندة الدور القيادي للولايات المتحدة في المنطقة، كما فعلوا عشية غزو العراق، كما أن الحل سيخطف الألق الذي يتمتع به "حزب الله" و"حماس" اللذين يستغلان محنة الفلسطينيين لتجييش الأنصار. والأهم من ذلك أن حل القضية الفلسطينية سيغير المناخ النفسي السائد في المنطقة وسيعمل على تحجيم الدور الإيراني وإعادته إلى وضعه الطبيعي بعدما تُقطع الطريق على الطموحات الإيرانية ويُحد من ميولها الاستعراضية وتفاخرها بدورها المستجد في الشرق الأوسط. والواقع أن عناصر الحل والاتفاق واضحة للعيان، ولا بد في هذا الإطار من أن يقوم الرئيس الأميركي أمام الجميع بتحديد المعايير الأساسية التي تراها بلاده ضرورية لتحقيق سلام عادل ودائم في المنطقة يرضي الأطراف جميعها، وينهي الصراع. تلك المعايير تنهض على أربعة مبادئ محورية: الانسحاب إلى حدود 1967 مع بعض التعديلات البسيطة والمتبادلة بين الطرفين، تعويض اللاجئين الفلسطينيين بدل حق العودة، وإعلان القدس عاصمة للدولتين، ثم دولة فلسطينية منزوعة السلاح. وقد يتم اللجوء إلى تدابير إضافية لضمان أمن إسرائيل في حال تخوفها هذ من عدم قدرة السلطة الفلسطينية بعد تسلمها للأراضي أن تمنع تنفيذ الهجمات ضد الدولة العبرية مثل نشر قوات حفظ السلام الدولية يشرف عليها حلف شمال الأطلسي، الذي لن يكتفي باستبدال القوات الإسرائيلية، بل سيقوم بتدريب الشرطة الفلسطينية لتحسن كفاءتها ورفع فعاليتها. ولحد الآن، ظل العائق الأساسي أمام تقدم عملية السلام في الفترة الأخيرة الضعف الذي يعتري الطرفين معاً وقدرتهما المحدودة في التوصل إلى اتفاق بينهما، لا سيما في ظل الانتخابات القادمة في إسرائيل التي باتت مصدر تعقيد إضافي، فضلاً عن الانقسام المستحكم بين الفلسطينيين. لكن في حال تقدم عملية السلام واكتسابها زخماً واضحاً، فإنه من الصعب أن نتخيل "حماس" تتخلف عن الركب، كما أن الشعب الإسرائيلي سيكون أمام فرصة نادرة لتسجيل موقفه والمشاركة في رسم مستقبل البلاد. ويمكن للرئيس الأميركي تجاوز مظاهر الضعف هذه من خلال التحدث بصراحة وحزم عن المبادئ الأساسية لعملية السلام، كما يتعين عليه الضغط في اتجاه القبول بها على يعين الرئيس بالموازاة مع هذه الجهود وليس بعدها أحد الشخصيات البارزة ينوب عنه في الدفع بخطط السلام. وبالطبع، سيكون لهذا التحرك دوراً كبيراً في حشد التأييد الداخلي والخارجي وتقديم الدعم والتشجيع للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي للانخراط كلياً في تعزيز عملية السلام وإنجاحها. وبرغم التعقيدات الكثيرة المرتبطة بالقضية الفلسطينية والصعوبات الكامنة في ثنايا الصراع الطويل بين العرب وإسرائيل تبقى فرص النجاح أوضح من ذي قبل، كما تظل تكاليف الفشل أكثر فداحة وخطورة من أي وقت سابق. زبيجنيو برجينسكي مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر برينت سكوكروفت مستشار الأمن القومي للرئيسين جرالد فورد وجورج بوش الأب ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"