عندما تشير إحصاءات صادرة عن جهات محلية إلى أن نحو 20% من سكان الدولة يعانون داء السّكّري، وأن 18% من هؤلاء لا يعرفون مسبقاً عن إصابتهم بالمرض، فإن الأمر يستحق وقفة حقيقية وليس فقط حملات موسميّة لقياس السّكّري والضغط أو التوعية بخطرهما، خصوصاً أن هذه الإحصاءات تتضمّن معلومة، لو صحّت، فإنها تمثّل جرس إنذار ينبغي الانتباه إليه جيداً، حيث يقول تقرير نشرته صحيفة "الاتحاد"، الأربعاء الماضي، نقلاً عن أطباء في الدولة إن 70% من السكان معرّضون للإصابة بداء السّكّري! منذ سنوات تتردّد على ألسنة الكثير من المسؤولين المعنيين هذه المعدّلات العالية من الإصابة بالسّكّري، ومنذ سنوات أيضاً والجميع يسمع عن دعوات للتحرّك ونداءات للتوعية بخطر السّكّري وتوابعه وأهمية التثقيف الصحي، ولكن النتيجة لا تكاد تذكر، لدرجة أن رئيس "جمعية الإمارات للسّكّري" اعتبر في تصريح صحفي له أن داء السّكّري في البلاد أصبح أقرب ما يكون إلى "وباء" بسبب انتشاره وكثرة المصابين به! السّكّري يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبدانة، حيث يؤكّد المتخصّصون أن أكثر من 80% من المصابين بالسّكّري من النوع الثاني بدينون أو يعانون زيادة في الوزن، ومعدّلات البدانة بين أطفالنا ومراهقينا وشبابنا لا تخفى على العيان وترصدها الإحصاءات والتقارير الرسمية، التي تشير إلى انتشار البدانة بين الطلبة المواطنين، مؤكدة أن السمنة هي ثاني الأمراض الأكثر شيوعاً بين هؤلاء الطلبة نتيجة للعادات الغذائية السيئة وعدم ممارسة الرياضة. مواجهة البدانة ومن ثم السّكّري وغيره من الأمراض سواء الناجمة عنه أو المرتبطة بالبدانة، يمكن أن تتم وفق جهود فردية، ولكنها ينبغي أن تنال حقها من اهتمام الجهات الرسمية المعنية، إذ ينبغي على هذه الجهات ألا تنبّه وتحذّر أو تشارك في حملات التوعية والدعوة لممارسة الرياضة ونداءات تغيير العادات الغذائية وغير ذلك فقط، بل ينبغي أن تشارك في حلول عملية باعتبار أن المجتمع متضرّر رئيسي من تدهور معدّلات الصحة العامة، وهو من يتحمّل فاتورة باهظة للإنفاق الصحي، ناهيك عن التكاليف غير المباشرة. الأعباء المالية المترتبة على انتشار مرض السّكّري آخذة في التزايد والتضخم، وتشير إحصاءات حديثة إلى أن الميزانية الأميركية تحملت، العام الماضي، فقط نحو 218 مليار دولار تكلفة إجمالية لمعالجة مرضى السّكّري، وتتضمّن هذه الحصيلة تكلفة العناية الصحية المباشرة، حتى تكلفة علاج مضاعفات المرض، فضلاً عمّا يعرف بالتكاليف غير المباشرة المترتّبة على فقدان الإنتاجية والعجز والتقاعد الباكر. في دول الاتحاد الأوروبي هناك أيضاً إدراك واضح لخطر انتشار البدانة المؤهلة للإصابة بالسّكّري، على اعتبار أن هناك واحداً من كل خمسة أطفال، بمجموع يبلغ عدده 22 مليوناً يعتبر زائد الوزن، ومن ثم تتخذ خطوات إيجابية على درب المواجهة الشاملة للسمنة، وآخر هذه الخطوات اتفاق بالإجماع بين عواصم دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين على تقديم الفواكه والخضراوات مجاناً لأطفال المدارس، وطرحت بالفعل خطة وافق عليها المجلس التشريعي الأوروبي. وتهدف الخطة الأوروبية إلى الترويج عملياً لعادات غذائية صحية طوال العمر عن طريق تقديم فاكهة طازجة لأطفال المدارس في أوقات تناول الطعام. في الإمارات أقرّت وزارة التربية والتعليم، مؤخراً، معايير محدّدة للوجبات المقدّمة في المقاصف المدرسية، وقالت تقارير صحفية إن التجربة بدأت بالفعل في أربع مدارس حكومية، ولكن ما نشر عن تلك المعايير يوحي بأنها موجهة إلى منع الأغذية غير الصحية وتأكيد معايير الجودة والقيمة الغذائية، ما يعني أن هناك حاجة إلى جهود إضافية لتغيير العادات الغذائية نفسها، والعمل على ترسيخ ثقافة غذائية جديدة لدى أفراد المجتمع كافة، والمدارس والجامعات يجب أن تكون في قلب أي جهود في هذا الإطار. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية