يمكن القول ولأول مرة، إن العالم الثالث مثَّل حضوراً قوياً في قمة "العشرين" عن الأزمة المالية العالمية، فمن إجمالي عشرين دولة حظي العالم الثالث بنصيب الأسد، أي باثنتي عشرة دولة تمثل ثقل المستقبل الذي بدأت مجموعة الدول "الثماني" تعمل له قدراً وحساباً مختلفاً عن سالف العقود الماضية. لقد ذهب البعض بأن مجموعة "الثماني" قد ولت وذهبت إلى غير رجعة، علماً بأنها في الواقع قد انخرطت مع الآخرين في خضم الأزمة المالية الراهنة، ويبدو أن هذه الحالة هي جزء من نفع الضرر الواقع على الكل. وإذا أمعنا النظر إلى الحجم الفعلي لهذه الكتلة الجديدة التي آلت على نفسها تحمل تبعات الوصول إلى مخرج يرضي العالم برمته، وليس الدول الكبرى فقط كما كان يتوقع البعض، فهذه المجموعة "العشرين" تمثل اقتصاداتها نحو 85% من إجمالي الاقتصاد العالمي، والتي تضم الدول الصناعية السبع الكبرى، بالإضافة إلى دول ذات اقتصادات صاعدة من أبرزها المملكة العربية السعودية وروسيا والصين والهند والبرازيل. المهم هنا أن قادة مجموعة العشرين قد تعهدوا في القمة بالعمل "معاً" -ضع تحت كلمة "معاً" عشرات الخطوط- لأن بعض الدول الكبرى كانت تعمل قبل هذه الأزمة بصفة متفردة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن الأزمة الحالية جرتها وغيرها من المتفردات إلى حائط "المعية" التي بمقدورها المساهمة بجهد جماعي لانتشال العالم برمته من أزمته الخانقة. أجمع القادة في هذه القمة على تحقيق هدف واحد ألا وهو العمل الجماعي لـ"استعادة نمو الاقتصاد العالمي" عبر الخطوط والخطوات التالية: * إصلاح المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين. * الوصول لاتفاق بنهاية عام 2008 تمهيداً لاتفاق عالمي للتجارة الحرة. * تحقيق الشفافية في الأسواق المالية الدولية وضمان الإفصاح الكامل عن وضعها المالي من خلال شركات تقوم بمراجعة أدائها. * ضمان عدم دخول البنوك والمؤسسات المالية في عمليات شديدة المخاطرة. * قيام وزراء المالية في دول المجموعة العشرين بوضع قائمة بالمؤسسات المالية التي يمكن أن يؤدي انهيارها إلى تعريض النظام الاقتصادي العالمي إلى مخاطر كبيرة. * تحسين نظام الرقابة المالي في كل دولة. من خلال معالم الخطة المعروضة نرى كيف أن الأزمة المالية قربت العوالم الثلاثة في المجتمع الدولي بعضها من بعض، إلى درجة أنه يمكن إطلاق مصطلح أننا جميعاً أصبحنا من العالم الأول إذا ما أردنا البناء للمستقبل بدل التباكي على الماضي وإن كان قريب الملمس. فإذا ما حققت هذه الخطوات العملية نتائجها، فإن ذلك يعد إضافة نوعية إلى مسار العولمة التي لا تحجِّم الآخر مهما كان وزنه خفيفاً في نظر الكبار، فها نحن اليوم نراهن على هذه الإجراءات الإيجابية لفعل شيء ينقذ البشرية وليس دولة بعينها من حدة هذه الأزمة بكل المقاييس الاقتصادية المعروضة لدى أهل الاختصاص. فلا نؤيد من علق جرس الشماتة في نهاية مجموعة "الثماني" الكبرى، بقدر ما نثمن أن تتحول مجموعة "العشرين" إلى أضعاف مضاعفة حتى يكون لكل دولة دور في البناء بدل تعليق المشاكل دائماً على شماعة العالم الأول أو الثاني، فلقد حانت الفرصة للعالم الثالث لممارسة دور ما في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهذا في حد ذاته الاختبار والتحدي الذي قد يخرج العالم الثالث من سجنه الذي دام طويلاً إلى رحابة العالم الأول والثاني ليس من أجل الفوز بالترتيب الرقمي وإنما من أجل المشاركة والمساهمة في إعادة ترتيب أوراق اللعبة المالية لصالحه.