في اليوم الذي رحل فيه أحد طغاة شرق آسيا، رأيت بعيني الدموع تترقرق في عيني الخادمة، وهي من رعايا دولة ذلك الدكتاتور. كانت دموعها مفاجأة بالنسبة لي، فبلادها تتشابه كثيراً مع دول النمور الآسيوية، لكنها ليست من النمور ولا حتى من القطط، فبينما تعج أسواق العالم بصناعات كوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ وسنغافورة، من الأجهزة الكهربائية والإلكترونية عالية الدقة والجودة، وماليزيا تصدّر حتى السيارات، فإن بلادها لا تزال، بفضل حكم الدكتاتور الرشيد والنظيف، تصدّر المواد الخام والنساء ليعملن خدماً في البيوت. حين سألتها عن سبب الدموع، قالت وهي تبكي، إنهم يحبونه لأنه كان طيب القلب! قبل أيام حدث شيء مشابه مع عامل في مطعم عربي، فقد سألته من باب الفضول والمجاملة عن أحوال رئيس بلاده المثيرة للجدل، فقال إن الرئيس "ممتاز وطيب القلب". ولأنني أعرف أن أحواله ليست ممتازة وليس طيب القلب أبداً، فبلاده التي يقودها منذ عقود لم تنجح في أي تنمية تذكر، بل من تدهور إلى تدهور، فقد خضت معه في بعض الأحداث والكوارث السياسية التي مرّت ببلاده، وتفاجأت به يصف دور الرئيس "الممتاز وطيب القلب" في تلك الأحداث بأنه دور انتهازي وطامع وأن نظام الحكم فاسد ودكتاتوري، لكن يظل الرئيس "طيب القلب"! وقد يكون الكلام الأول للرجل نابعاً من شعور وطني وولاء لبلاده، ومن الطبيعي أن يتحرج عن وصف رئيس بلاده بما يشين أمام الغرباء، لكن هذه الفرضية غير صحيحة لأنه عاد و"شرشح" دور الرئيس ونظام حكمه، وأصبح حاله كمن يقول: فلان شريف وقد سرق مليار دولار، لأنه ببساطة لا يعرف ما هو الشرف أصلاً، وكذلك الخادمة والعامل، لا يعرفان معنى طيبة القلب، وأعتقد أنهما يحسبانها الثرثرة أمام الشاشات بتواضع والتعامل مع الرعية ببساطة وعفوية في المناسبات العامة. وها هي دولة آسيوية أخرى ترفع محكوماً عليه في قضايا فساد واختلاس أموال إلى أعلى منصب في البلاد، رئيس يسمونه هم بأنفسهم "السيد عشرة بالمئة"، لاتهامه بتقاضي عمولات عن الصفقات التي كان يبرمها عندما كان وزيراً في السلطة. صحيح أنهم لم يختاروا رئيسهم بمحض إرادتهم عبر الاقتراع العام المباشر، وإنما من خلال أعضاء البرلمان الفيدرالي والمجالس الإقليمية، لكن من اختار هؤلاء الذين اختاروا الرئيس هم ملايين الناخبين البسطاء، ولم يصلوا إلى البرلمان والمجالس بالمصادفة أو الحظ. ليس ذنب المرء أن يكون بسيطاً، فأكثر البسطاء لم يختاروا البساطة بمحض إرادتهم، لكن البساطة لا تعني السذاجة، فالساذج يختار لنفسه هذا الطريق. وليس بيد البسطاء فعل شيء مادي وملموس، لكن من باب أضعف الإيمان ألا يتعاطفوا مع حكام لم يروا منهم خيراً يذكر، أو رؤساء عُرفوا بالفساد حتى قبل أن يصبحوا رؤساء.