قرار وزارة التربية والتعليم تعطيل جميع المدارس الحكومية والخاصة، اعتباراً من يوم الثلاثاء الموافق الثاني من ديسمبر المقبل، وحتى الحادي عشر من الشهر نفسه، بمناسبة العيدين الوطني والأضحى المبارك، ينطوي على إيجابيات عدة، ليس لجهة العطلة نفسها التي منحها الطلاب والطالبات، ولكن لأن القرار يعكس العديد من السمات ذات الصلة برشادة الإدارة وفلسفة العمل داخل الوزارة نفسها. بعيداً عن المدة الزمنية التي فرضتها الظروف واقتراب توقيتي العيدين بدرجة لا تسمح بالفصل بين العطلتين، فإن نص القرار يعكس أموراً عدة، أولها أنه صدر مبكراً، وأن هناك من المؤشرات ما يوحي بأنه خضع بالفعل لدراسة عميقة ونقاشات مطولة داخل أروقة الوزارة، وأن صدور القرار في هذا التوقيت ربما يعدّ غير مسبوق، لجهة حسم موضوع العطلات، والدوام بين عطلتين، وغير ذلك من ملفات ظلت لفترات طويلة موضوعات للجدل، والأخذ والرد بين الوزارة والميدان. وتوقيت صدور القرار المبكر لا يحسم فورة التكهنات والتوقعات وحتى الشائعات، التي تأخذ مساحات زمنية كبيرة من النقاشات، ووقت العمل داخل المدارس والمناطق التعليمية فقط، لكنه يصب في مصلحة توفير أجواء مثلى للعمل التربوي، أيضاً، لجهة توفير قدر أعلى من الرضا الوظيفي والاستقرار الأسري والاجتماعي، عبر إتاحة الفرصة أمام هيئات التدريس والأسر وغيرها، من أجل تنظيم أوقاتها، وترتيب أي مواعيد وبرامج، سواء تعلقت بالسفر أو الزيارات أو غير ذلك، بعيداً عن ضغوط التكهنات الخاصة بطبيعة توجه الوزارة، سواء بمد العطلة أو الإصرار على أيام الدوام بين عطلتين، وفي ذلك بالطبع توجه تربوي وفتح صفحة جديدة لعلاقة تفاعلية إيجابية بين الوزارة والميدان. الأمر الثاني في هذا القرار أنه نص صراحة على مبدأ التعويض، بحيث يتفادى الجدل الذي صاحب قرار الوزارة الأخير بشأن دوام أحد أيام السبت الفائتة تعويضاً ليوم إضافي تعطلت فيه الدراسة خلال عيد الفطر المبارك، ما يعني أن لا حجّة لأولياء الأمور والميدان في الاعتراض بعد ذلك على أي قرار رسمي يصدر لاحقاً بشأن تعويض أي أيام دوام رسمي تقع خلال العطلة الممتدة بين 2 و11 ديسمبر المقبل، ما يعني أن هذا القرار يعكس تفهّم الوزارة لوجهة النظر القائلة بضرورة ترسيخ مبدأ التعويض والنص عليه ضمن قرارات العطلة مع ضرورة التشاور الميداني لضمان أعلى سقف من الرضا بشأن قرارات الوزارة. الأمر الثالث الإيجابي في قرار الوزارة أنه قائم على قناعة بعدم تأثّر الخطة الدراسية بالتعطيل المقرّر وفقاً لما تمّ اعتماده بشأن جرعة المناهج الدراسية المطبّقة على جميع المراحل التعليمية، وأنه نصّ على تطبيق مبدأ تعويض الدوام "بمعرفة المجالس والهيئات والمناطق التعليمية وبالتنسيق مع المدارس التابعة لها"، ما يعني أن القرار منح المناطق ومجالس التعليم هامش حركة للتعويض وفقاً لاعتبارات سير خطة العمل الدراسية والالتزام بما هو مقرّر من مناهج خلال كل فصل دراسي على حدة؛ وهذا التوجّه يعني أن الوزارة مرنة في تطبيق سياساتها التربوية بما لا يتعارض مع الصالح العام أيضاً، وأنها تسعى إلى ترسيخ مبدأ اللامركزية في إدارة العملية التعليمية ومنح مزيد من الصلاحيات للمناطق التعليمية، لكن ينبغي ملاحظة ضرورة تطبيق مبدأ التعويض في مدارس القطاع الخاص كي لا تتضرر العملية التعليمية، وحرصاً على فكرة المساواة وتكافؤ الفرص بكل أبعاده وتجلّياته. إن رشادة قرار وزارة التربية والتعليم بشأن عطلة العيدين ينبغي أن تؤخذ من الميدان بإيجابية وأن تختفي الأصوات التي بادرت إلى تقديم مقترحات تضرّ العملية التعليمية وتنسف الهدف التربوي للقرار، حيث بادر بعضهم إلى المطالبة، عبر الصحف، بترحيل أجزاء من المناهج للفصل الثاني بدعوى "ضغط المنهج"، ما يعني عدم وجود نيّة لدى هؤلاء لتعويض حقيقي والاكتفاء بنيل المكاسب دون تحمّل مسؤوليتهم التربوية. ______________ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.