بكل تجرد كمراقب، فإن الذي يحدث بين حركتي "حماس" و"فتح" الفلسطينيتين لا يمكن تصنيفه في خانة مصلحة الشعب الفلسطيني بتاتاً بل هو يقع ضمن الحسابات الخاصة لأصحاب المصالح الذين لا يريدون انتهاء الخلاف الفلسطيني الفلسطيني وبالتالي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. المصلحة هنا تنتقل من المستوى الفردي لبعض القيادات الفلسطينية التي بتصرفاتها تبدو وكأنها تتاجر بقضية الشعب الفلسطيني وتمر عبر مستوى مصالح لدول لديها مصلحتها في استمرار المشكلة بدون حل على اعتبار أن انتهاء الصراع يعني فقدان الكثير من المصالح الاستراتيجية لها وفكرة المصلحة تتوسع لتصل إلى مستويات أخرى عديدة، ربما تصل لمستوى المنظمات. رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني والوصول به إلى حل عادل وشامل لقضيته ستفقد الكثيرين مصالحهم وقد يكون بعضهم فلسطينيين، لذا وجدت هذه الفئات أن من مصلحتها خلق المشاكل والعمل على استمراريتها والخوف أن يكون الفلسطينيون يخدمون أصحاب تلك المصالح عن عمد، وهذا هو الأخطر ولعل هذا بات واضحاً بشكل كبير بعد إفشال "حوار القاهرة" والسبب الفلسطينيون، مما أعطى انطباعاً لدى المراقبين بأن مصلحة بعض الفرقاء تقترب من رغبة بعض القوى الإقليمية في استمرار الصراع واستخدامه كأوراق استراتيجية من أجل الضغط على الفلسطينيين أنفسهم للحصول على دور في القضية كما طالبت به إيران، بل إن هذا الخلاف يقترب من المصلحة الإسرائيلية في الجانب الآخر بإشغال القوى الفلسطينية عنها والضغط على الشعب الفلسطيني كي لا ينتبهوا لها في مطالبتهم بحقوقهم. ما يجب الانتباه له هنا، أن عدم اتفاق الفلسطينيين على موقف موحد وتشكيل حكومة واحدة ممثلة للشعب الفلسطيني في مواجهة إسرائيل، يتوافق مع آراء قليلة لأطراف لها مصالحها في استمرار الصراع مع إسرائيل، التي ترفض التعامل هي والمجتمع الدولي مع "حماس"، لأنها لم تنه بعض خلافاتها مثل إيران وهذا الشيء بالغ الخطورة على القضية الفلسطينية والفلسطينيين باعتبار أن مصالح الشعب الفلسطيني يتم المتجارة بها. الحكمة والمنطق تقتضيان من ممثلي السلطة والشعب الفلسطيني أن يدركوا بأن أي حديث بينهما لا يقدم مصلحة الشعب الفلسطيني إلى الأمام يصبح لغواً غير قابل للتصديق والقبول به لأن تكرار الخلاف ومحاولات الدول العربية بدءاً من اتفاق مكة وانتهاءً بمحاولات الدول العربية للتوسط بينهما أوقع كل المتخاصمين الذين أصبح الخلاف بينهم السمة لهم وكأنه جزء من الفلكلور الفلسطيني، في خانة المتاجرة بالقضية الفلسطينية ولحساب غير الحسابات الوطنية الفلسطينية والخوف من ارتكاب جريمة أكبر من الخلاف الحالي لو أدى الأمر إلى نشوب حرب أهلية بين الفلسطينيين حيث نعتقد أن أكبر الخاسرين الآن وفي أي تطور سلبي هو الشعب الفلسطيني وحده. وقتها لن يغفر الشعب الفلسطيني للتعصب الفتحاوي ولا للعناد الحمساوي، واللذين يدفعان إلى إشعال مواجهة فلسطينية- فلسطينية بدلا من الالتحام لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي باعتبار أن خلافاتهما سبب رئيس في تراجع مسألة الحل وبالتالي إضعاف موقف الفلسطينيين في مواجهة إسرائيل، بل إن استمرار هذا الخلاف دفع إلى تراجع الدعم المعنوي العربي للقضية الفلسطينية عموماً وأدى لأن يكون هناك نفوذ سياسي لبعض القوى الإقليمية في القضية الفلسطينية، وهذا النفوذ يتزايد حيناً بعد حين وقد وصل إلى دفع الفلسطينيين لأن يرفضوا الاتفاق فيما بينهم على حساب مصلحة شعبهم، في صورة أقرب إلى الوضع في لبنان. أمر محزن أن يختلف أبناء شعب واحد حول مصلحة الوطن والشعب خدمة لمصالح شخصية ومصالح دول أخرى، بل إن تلك الخلافات أساءت للتاريخ النضالي الفلسطيني وأساءت للقضية وبات الآخرون لا يولون اهتماماً ولا يثيرهم موقف لما يقوم به الفلسطينيون سواء تجاه بعضهم أو مع إسرائيل، ولعل ما وصلت إليه القضية الفلسطينية من تجاهل وعدم مبالاة من الشعب العربي هو ما تمنته إسرائيل وفي الوقت الذي أثبتت فيه الشواهد والدلائل على أن لدول أخرى نفوذاً بل لعبت دور المحرض بين الفلسطينيين.