موظفون حكوميون كسالى، أمر طبيعي. كثرة الخدم في البيوت والمؤسسات، أمر طبيعي. كثرة القروض بسبب الانغماس في الثقافة الاستهلاكية، أمر طبيعي. شيوع الفساد السياسي والإداري، أمر طبيعي كل ما سبق سببه وجود الدولة الرعوية أو الريعية التي تقوم على ظاهرة الكسل العام للدولة والمجتمع، وكل ما سبق يمكن علاجه بالقوانين الرادعة والمراقبة الرسمية، لكن قيام طلبة الجامعة بسرقة البحوث وتقديمها ضمن متطلب المقررات الدراسية، لهو تدمير للمستقبل. طلبة الجامعة هم شباب المستقبل لأي مجتمع غني أو فقير، وهم عدّة وعماد المستقبل، فإذا ما اعتبروا سرقة البحوث أمرا طبيعيا، فقل على المجتمع والدولة السلام. فالجهل خراب الدولة وفق ما يقوله عظيم فلاسفة اليونان أفلاطون. لكن لماذا يسرق الطلبة البحوث بدلًا من العمل على كتابتها. فالطلبة يعلمون تمام العلم فائدة قيامهم شخصياً بالبحث في مصادر العلم والمعرفة المعروفة في المراجع العلمية، كما أنهم على يقين تام بأن مثل هذا الجهد العلمي يفيدهم في فهم الدروس، ويبقيهم على اتصال مع أستاذ المادة العلمية. إذن لماذا يقومون بهذا الفعل غير الأخلاقي وهم يعلمون عدم مشروعيته الأخلاقية؟ يسرق كثير من الطلبة البحوث العلمية عن طريق شرائها من الآخرين سواء من خلال المكاتب التي تقوم ببيع هذه البحوث للطلبة، أو من خلال تكليف الآخرين بهذا العمل البحثي. والكارثة أنهم لا يهتمون كثيراً حين يكتشف أستاذ المقرر العلمي هذه السرقة، فكل ما سيحدث أنهم سيحصلون على درجة راسب، لكي يعيد المقرر عند أستاذ آخر لا يهتم أو حتى لا يقوم بقراءة هذه الأبحاث. من خلال ما يزيد على الثلاثين عاماً في مجال التدريس الجامعي، يمكنني القول إن الطلبة يسرقون البحوث لأنهم يعلمون تمام العلم بالأمور التالية: ـ أن السرقة أمر شائع في المجتمع والمؤسسات، حيث لا تكاد تخلو الصحف من الحديث يومياً عن انتشار الرشوة. ـ الفساد السياسي والإداري الذي أصبح مألوفاً في حياتنا اليومية. ـ الاقتناع التام بمقولة إن الجميع فاسد، فلماذا أكون الشريف الوحيد بينهم؟ ـ عدم قيام الأساتذة بواجباتهم بقراءة هذه البحوث عند تقييم البحث. ـ علم الطلبة أن الترقي في الوظيفة لا علاقة له بالوضع العلمي للطالب بعد التخرج، بل بعلاقاته الشخصية مع الآخرين أو انتمائه القبلي أو الطائفي. ـ علم الطلبة أنه لا فرق عند التعيين في الوظيفة بين من يحصل على امتياز ومن يحصل على تقدير مقبول، فلماذا التعب والجهد؟ ـ لتوفر مصادر تقوم بتسهيل عملية السرقة، كالمكاتب التجارية التي تقوم بهذا العمل تحت عنوان "خدمات طلابية"! عدم تجريم مثل هذه السرقات، باعتبار أن مثل هذا العمل ليس سوى مخالفة تجارية من اختصاص وزارات التجارة. ـ عدم جديّة التعليم الجامعي في الدول العربية. ـ تساهل المجتمع في القضية الأخلاقية سواء داخل الأسرة أو المجتمع الواسع. وللإنصاف لا بد من الاعتراف أن الطلبة ليسوا بأغبياء، فهم يعلمون تماماً ماذا يحدث في المجتمع من فساد عام حتى في الجامعة، وليس فقط في المؤسسات الأخرى، ويشهدون يومياً من خلال الأسرة والديوانية حالات الواسطة المتفشية في الوزارات، إن لم يقم هو شخصياً من خلال نفوذه العائلي، بتخليص بعض المعاملات الحكومية للأساتذة أنفسهم. بل إنهم على اطلاع على بعض السرقات العلمية لبعض الأساتذة. كيف يمكن إذن إقناعهم بأهمية الأخلاق وضرورة بذل الجهد في التحصيل العلمي. وبالتالي يغدو من الطبيعي، بل من المنطقي أن يقوم الطلبة بسرقة البحوث. ولذلك قال الشاعر: " وإذا أُصيب القوم في أخلاقهم *** فأقم عليهم مأتما وعويلا "