منذ فوز الرئيس المنتخب باراك أوباما في سباق البيت الأبيض، لم يكف المحللون السياسيون ووسائل الإعلام بكافة أنواعها، عن الحديث المستمر عن المخاطر والتحديات التي ستواجه إدارته. ولكن ما أن تخضع هذه التحديات للتحليل الدقيق، حتى يتضح أن الجزء الغالب منها يعتبر فرصاً يمكن للإدارة الجديدة أن تستغلها لصالحها وتستثمرها. وفي حين تبدو هذه التحديات عقبات عسيرة أمام الإدارة الجديدة، إلا أنها تتضمن جهود بعض الدول الرامية إلى عرقلة استمرار سياسات إدارة بوش الحالية في تحريف هذه التحديات أو ترهيب الإدارة الجديدة من الخوض فيها. وتتلخص سياسات إدارة بوش فيما يلي: ارتفاع معدلات الإنفاق العسكري بما يفوق إنفاق بقية دول العالم مجتمعة على جيوشها، والأحادية والعداء للأمم المتحدة والقانون الدولي، والترويج لعقيدة الحرب الوقائية الاستباقية، والسعي للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، ثم استمرار الضغط على روسيا، مصحوباً بنزعة العداء للصين، إضافة إلى عرقلة جهود الاتحاد الأوروبي في التعاون العسكري مع واشنطن. والمعروف أن "الجمهوريين" والمحافظين اليمينيين هم من واصل رسم هذه السياسات عبر مراكز ومؤسسات البحث المرتبطة بهم في واشنطن، منذ عقد التسعينيات. وتعكس هذه السياسات جميعاً، تطلعات بعيدة المدى تهدف إلى فرض الهيمنة الاقتصادية والعسكرية على العالم، كان من سوء طالع إدارة بوش أن تقمصتها وتمثلتها في إطار سياساتها الخارجية. وليس مستغرباً أن تسعى العناصر اليمينية المحافظة نفسها لغرس هذه الأفكار والسياسات في جسد الإدارة الجديدة. ولكن خلافاً لإدارة بوش، يعد الرئيس "الديمقراطي" المنتخب أوباما، صاحب رؤية مغايرة للسياسات الخارجية والعلاقات الدولية، إضافة إلى أنه سيواجه ضغوطاً ومصاعب كبيرة في الاستمرار في نهج سياسات بوش الخاصة بالشرق الأوسط وروسيا والصين. والحقيقة أن أوباما قد انتخب أصلاً لإحداث التغيير الذي وعد به، وعلى رأسه تغيير نهج بوش في السياسات الخارجية، أو وضع حد لها على أقل تقدير. ولك أن تتخيل مثلاً التحديات التي ربما تواجهها إدارة أوباما الجديدة جراء صعود روسيا وسعيها إلى تغيير حدود أوروبا ما بعد الحرب الباردة، عن طريق ترهيب جاراتها في منطقة القوقاز، على نحو ما فعلت بغزوها لجورجيا مؤخراً. فمثل هذا التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة الأميركية الآن، ليس شيئاً آخر سوى ردة فعل من جانب موسكو على مساعي "المحافظين الجدد"، الرامية إلى إعادة تشكيل الخريطة الجيو- سياسية للقارة الأوروبية، بما يحقق توسيع النفوذ الأميركي فيها. ففي ظل إدارة بوش الحالية تخلت أميركا عن معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية، وأعلنت بدلاً منها رغبتها في نصب نظم صاروخية جديدة متاخمة للحدود الروسية. وإلى جانب ذلك تمكنت واشنطن من استقطاب كافة الدول المجاورة لروسيا إلى عضوية حلف "الناتو" بعد أن جرى توسيعه عقب نهاية الحرب الباردة. وليس ذلك فحسب، بل تسعى واشنطن إلى ضم كل من جورجيا وأوكرانيا إلى عضوية الحلف، إضافة لاستقطاب بعض دول آسيا الوسطى السوفييتية السابقة. وفي الوقت نفسه تدفع واشنطن باتجاه تنصيب حكومات موالية لها في تلك الدول. وما دام الحال هكذا.. فما الغريب في أن تتعامل روسيا مع هذا السلوك العدواني بردود فعل حادة؟ وعلى صعيد آخر تعمد واشنطن إلى إضعاف حلف "الناتو" كذلك بربط مطالبة بولندا المشروعة والعادلة بتوفير الضمانات الأمنية اللازمة لها، بتقديم ضمانات أمنية غير مسؤولة وربما تفوق قدرات "الناتو" نفسه على الوفاء بها، مثل تلك المقدمة لجورجيا! وفي التعامل مع روسيا، هناك خطوة واحدة في غاية السهولة والبساطة ينبغي على الغرب اتخاذها هي الكف عن استفزازها والتعامل معها بصفة "العدو". وربما يكون هناك من لا تروقه شمولية نظام بوتين- مدفيديف، أو توظيف موسكو السياسي لصادراتها النفطية. غير أن المسألة الأولى تبقى خاصة بروسيا وحدها، بينما لا تنحصر المسألة الثانية بموسكو دون غيرها. فما أكثر الدول التي تستغل سياسياً نفوذها الاقتصادي. أما فيما يتصل بالعراق، فقد أعلن أوباما تعهده بانسحاب قوات بلاده منه بحلول منتصف عام 2010. وإذا ما نظرنا إلى انتخابات الكونجرس التكميلية في عام 2006، مصحوبة بانتخابات ليلة الثلاثاء 4 نوفمبر التي فاز بها أوباما، فقد عبر الناخبون الأميركيون عن رغبة جامحة واحدة جمعت بينهم، ألا وهي ضرورة عودة جنودهم من العراق. ومع أن رغبة الأميركيين هي أن تتحقق هذه العودة بما يحفظ لأميركا كرامتها وللعراقيين استقرارهم وأمنهم، إلا أن على واشنطن أن تأمر بمغادرة جنودها العراق، متى ما طلبت منها الحكومة والبرلمان والشعب العراقي ذلك. فما مشكلة واشنطن في الاستجابة لرغبة العراقيين؟ يذكر أن إدارة بوش ومؤيديها يرغبان في الاحتفاظ بالامتيازات التي خصوا بها في الاقتصاد والنفط العراقيين. ومتى ما استمر هذا الوضع، فلن يكف أعداء أميركا عن اتهامها بأنها لم تحرص على استمرار بقاء قواتها في العراق إلا لحرصها على فرض هيمنتها على الشرق الأوسط وموارده النفطية الغنية. وهذا هو المسار الذي ينبغي لإدارة أوباما الجديدة أن تغيره. وفي هذا الجانب وغيره من القضايا الأخرى ذات الصلة بمنطقة الشرق الأوسط، يتوقع أن يواجه أوباما مزيداً من الضغوط فيما يتعلق بالوفاء بوعوده الانتخابية التي قطعها لإسرائيل، وهي وعود في نهاية الأمر لا تعني شيئاً سوى مواصلة نهج إدارة بوش وسياساتها الشرق أوسطية. ولكن في حال وفاء أوباما بهذه الوعود، فإنها ستعصف بإدارته تماماً مثلما عصفت بإدارة بوش. ويليام فاف كاتب ومحلل سياسي ينشر بترتيب خاص مع "تريبيون ميديا سيرفيس"