الحشد العالمي الكبير في اجتماع الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يستحق الإشادة، للمحاولات الجادة لتقريب وجهات النظر بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات، لكن واقع الحال يخبرنا بأننا في الوطن العربي والخليج نحتاج لمثل هذا الحوار أكثر من حوارنا مع الغرب... فالحوار في نيويورك ليس حوار أديان فقط، لأن حوار الأديان الذي دار سابقاً لم يؤدِ إلى أي شيء ملموس، والدليل على ذلك المجهود الكبير الذي بذله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مؤتمر مدريد في الصيف الماضي. حوار الأديان أبرز الخلافات بين الدول العربية نفسها، فسمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر دعا في كلمته أمام مؤتمر الحوار بين الحضارات في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى "إصدار تعهد عالمي باحترام الأديان وعدم المساس أو التعرض أو التهكم على رموز تلك الأديان، وردع مرتكبي تلك الأفعال والداعين لها". دعوة سمو أمير الكويت لا يختلف عليها أحد، لكن هل هذه المبادئ السامية باحترام الأديان موجودة في الكويت أو دول الجوار في الخليج؟ ففي الكويت مثلاً لدينا جماعات إسلامية سياسية ترفض بناء دور للعبادة للآخرين، حتى إن بعض المتطرفين رفضوا السماح ببناء مسجد خاص بـ"البهرة" وهم مسلمون من الهند، رغم أن الحكومة وافقت على طلبهم. وفي السعودية تحفظ عدد من أعضاء مجلس الشورى على حوار الأديان لأنهم لا يعتبرون البوذية والهندوسية دينين. قياداتنا السياسية في الخليج أثبتت أنها أكثر انفتاحاً وتسامحاً وتحرراً من شعوبها ومؤسساتها وأحزابها الإسلامية المتطرفة، هذه الحركات الموجودة في بلداننا ترفض الحوار وقبول الآخر باسم الدين تارة وباسم العادات والتقاليد وخصوصية المجتمعات الخليجية تارة أخرى، فإذا كانت جماعات الإسلام السياسي ترفض وتكفر بعض المذاهب الإسلامية الموجودة لدينا، فكيف يمكن إجراء حوار حر ومتسامح مع الآخر من الشعوب والأمم الأخرى التي تختلف عنا؟ الحوار في نيويورك لم يكن حوار أديان، لأن الوفود العربية والإسلامية لم ترفق معها رجال دين لإجراء الحوار مع الأديان الأخرى... فالحوار إذن ذو طبيعة سياسية أكثر منها دينية. الأمين العام للأمم المتحدة أكد في كلمته أن أحد أكبر التحديات في عصرنا الآن بالتأكيد، يجب أن تكون ضمان أن يصير تنوعنا الثقافي والفني أكثر أماناً، وأن إرساء تقاليد السلام يتطلب توازن مصالح بين دول مختلفة... لكننا تعلمنا أن السلام الدائم يتطلب أكثر من التوازن المتساوي، ومن أجل استمرار السلام يجب على الأفراد والجماعات والدول أن تحترم وتفهم بعضها بعضا. واستشهد الأمين العام بكلمة "رالف بانش" موفد أمين عام الأمم المتحدة إلى فلسطين في أواسط القرن الماضي، والحائز على جائزة "نوبل" للسلام حين قال: "لديّ تحيز جذري ضد الحقد وعدم التسامح، لديّ تحيز ضد التميز العنصري والديني، لديّ تحيز ضد الحرب ومع السلام، لديّ تحيز يجعلني أؤمن بالأساس الحسن للبشر ما يجعلني أؤمن بأنه لا توجد أية مشكلة في العلاقات بين البشرية لا يمكن حلها". من أهم إيجابيات اجتماع الحوار هو تأكيد رؤساء الدول المشاركة على أهمية التفاهم المشترك والحوار بين الأديان والمعتقدات. يبقى السؤال: هل نحن العرب مستعدون لإجراء الحوار بين الفئات المختلفة في بلداننا؟ واقعنا المؤلم يقول إن لدينا حربا طائفية في كل من العراق ولبنان، كما يوجد بيننا توتر بين الشيعة والسنة في معظم دول الخليج... ما أحوجنا للحوار العقلاني السلمي البعيد عن الدين والمذهب.