قمة العشرين إعلان لنهاية مجموعة "الثماني"... ومساعٍ لتطبيع العلاقات الروسية- الأوروبية الآفاق التي تفتحها قمة العشرين، ومساعي روسيا لتطبيع علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، والتجاذبات السياسية القائمة في لبنان استعداداً لاستحقاقات الربيع التشريعية، موضوعات ثلاثة نعرض لها ضمن جولة سريعة في الصحافة الفرنسية. قمة العشرين... تحديات معلقة: صحيفة لوموند خصصت افتتاحية لتحليل الآفاق التي يتوقع أن تفتحها قمة الـ20 بواشنطن أمس لاحتواء الأزمة المالية العالمية، مشيرة إلى أنها انعقدت تحت إشراف رئيس أميركي منتهي الولاية، وأوروبيين منقسمين على أنفسهم بشكل لا يوصف، ولائحة مشاركين مثيرة للسجالات، ومن ثم فإنه لا شيء أسهل من انتقادها والتقليل من سقف المتوقع منها سلفاً. وليس من الوارد طبعاً توقع اجتراح القمة لترتيبات مالية خلاقة تسمح بإطلاق "بريتون وودز" جديدة، وذلك ببساطة لأن ذلك المؤتمر المالي التاريخي في منتصف أربعينيات القرن الماضي استغرقت أعماله ثلاثة أسابيع، واستغرق التحضير له سنتين كاملتين من العمل المجهد، ولذا فإن اختلاف الواقع الآن بشكل جذري لا يسمح بالاستغراق في الأحلام الوردية حيال قمة العشرين الحالية، وخاصة إذا وضعنا في الاعتبار بُعد الشقة في التقييمات والتوصيفات حول أنجع السبل لمواجهة الأزمة بين القادة الحاضرين لقمة واشنطن. ولكن هذه الدواعي القوية للإحباط مسبقاً تجاه قمة الـ20 لا ينبغي أن تجعلنا ننسى بعض الأوجه الإيجابية والأخبار السارة فضمن ما تؤشر إليه القمة عملياً نهاية عهد دام أربعين سنة من اعتقاد أميركا الخاطئ بأن الدولار هو مجرد عملة خاصة بها، دون اهتمام بما قد يخلقه من مشاكل على صعيد عالمي، هذا إضافة إلى نهاية ثلاثة عقود من التغول الليبرالي في الغرب الذي طالما نظر إلى دور الدولة في الاقتصاد باعتباره مشكلة وليس حلاً. وفي المجمل فإن اجتماع كل هذا العدد من قادة العالم بعد شهرين من نشوب الأزمة المالية يؤشر أيضاً إلى تنامي قناعة دولية حقيقية بضرورة جماعية العمل في مواجهة التحديات الاقتصادية الكبرى. وبالنتيجة -تقول لوموند- فإن انعقاد قمة الـ20 يشكل إعلاناً شبه رسمي عن نهاية مجموعة الثماني، وهذا أيضاً خبر سار آخر يستحق التسجيل والاحتفاء. ومن هذه النقطة الأخيرة تحدث جان مارسيل بوجيرو عن القمة في عموده بمجلة لونوفل أوبسرفاتور، مشيراً إلى أن قبول الدول السبع ثم الثماني الكبرى الدخول في إطار مجموعة العشرين الحالية دليل على أن الأزمة المالية قد أرست دعائم خريطة جيوبوليتيكية دولية جديدة تلعب فيها الصين وروسيا والهند والبرازيل والمكسيك والأرجنتين والدول الإسلامية البازغة دوراً متنامياً ينسجم مع حجم تأثيرها المتصاعد في المشهد الاقتصادي والسياسي العالمي، وهو ما يخصم من الدور الطاغي الذي كانت تلعبه الدول الغربية واليابان. التطبيع مع روسيا: تحت هذا العنوان كتب بيير روسلين افتتاحية لصحيفة لوفيغارو خصصها لقمة روسيا والاتحاد الأوروبي التي احتضنتها مدينة "نيس" الفرنسية يوم الخميس الماضي، والتي هدف من ورائها الطرفان إلى إعادة تطبيع العلاقات في القارة العجوز لتجاوز أجواء الشد والاحتقان التي خلفتها حرب جورجيا خلال شهر أغسطس الماضي. والحال أن مهمة التطبيع هذه تعد اليوم في غاية الصعوبة نظراً إلى التردي الذي ألحقته مشاهد الدبابات الروسية وهي تغزو أراضي دولة أجنبية، إضافة إلى إعلان موسكو عن نيتها نشر الصواريخ في منطقة كالينغراد، رداً على الدرع الصاروخية الأميركية، وهو إعلان أريد له أن يتم تحديداً في يوم انتخاب الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما. ولأن الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف شعر بجسامة المخاطر المترتبة على المضي قدماً في طريق التصعيد يبدو أنه قرر إبداء بعض المرونة من خلال لمسات تهدئة، كإعلان روسيا في قمة "نيس" عن استعدادها لتجميد مشروع كالينغراد مقابل تخلي الأميركيين عن الدرع الصاروخية في بولندا وتشيكيا. كما أبدى الروس رغبة قوية في إعادة تطبيع علاقاتهم بأوروبا الآن. ومع أن الكاتب يرى أن الاقتراح الروسي بالتخلي عن المشروعين قد يتيح فرصة لكل من واشنطن وموسكو للحفاظ على ماء وجههما، ومن ثم يمكن تصور أن يتعامل معه أوباما بجدية واهتمام، إلا أنه ينبغي عدم الخلط بين مشروع دفاعي أميركي صرف وبين إعادة تنصيب صواريخ روسية كانت موجهة أصلاً خلال الثمانينيات إلى العواصم الأوروبية. وبالنظر إلى خريطة الطريق التي يقترحها سيد الكرملين لإعادة بناء أسس الثقة بين الأوروبيين والروس، وتأكيده أن "روسيا ليست الاتحاد السوفييتي"، فإن اليد الروسية الممدودة الآن ربما يتعين عدم تفويت فرصة التعاطي معها بإيجابية. ويرجح روسلين أن تكون للجنوح الروسي الحالي للتهدئة مع العالم الغربي أسباب داخلية روسية في مقدمتها الآثار الكبيرة التي خلفتها الأزمة المالية العالمية وتراجع أسعار النفط بنسبة النصف تقريباً، ما جعل قدرة روسيا على تحدي العالم تتآكل بشكل كبير. ولكن آثار الأزمة أيضاً تجعل ظمأ الأوروبيين لدخول السوق الروسية الضخمة ملِحاً، وتستحيل مقاومته كذلك. ولذا فإن ما ينبغي أن يكون أفضل الخيارات اليوم هو العمل على إرساء دعائم شراكة استراتيجية روسية- أوروبية تستجيب لتطلعات كلا الطرفين. وفي هذا الاتجاه من الطرح أيضاً وضمن الملف الواسع الذي نشرته لوفيغارو حول العلاقات الروسية- الأوروبية عنون كاتبها الشهير ألكسندر أدلر مقاله الأسبوعي: "يد أوروبا الممدودة إلى منطقة الأورال"، وقد ثمن فيه تصريحات التهدئة التي صدرت عن مدفيديف، مرجحاً هو الآخر أن تكون لها أسباب اقتصادية ذات صلة بانخفاض أسعار النفط، داعياً الأوروبيين إلى عدم تفويت فرصة جنوح الدب الروسي للتهدئة وذلك من أجل وضع قواعد لنظام قاري أوروبي جديد، وبكيفية تشجع روسيا على الانفتاح الاقتصادي على الطريقة الصينية، لأن الاتحاد الأوروبي سيكون هو المستفيد سياسياً واقتصادياً من ذلك في المقام الأول. وحذر أدلر الأوروبيين من التعامل مع روسيا، حتى لو ثبت أنها مقبلة على مصاعب اقتصادية، على أنها دب جريح، أو تصور أن قدراتها على التصرف بقوة ستتآكل أو تتقلص، في الأمد المنظور. تحديات الحوار اللبناني: صحيفة لوموند نشرت تحليلاً حول التجاذب السياسي القائم في لبنان الآن كتبته مراسلتها في بيروت منى نعيم. وليس منشأ التجاذب الحالي ما عرفته بلاد الأرز من صراعات وتجاذبات خلال سنتي أزمتها المزمنة الماضيتين، بل إن الدافع الأول هو الاستعداد لاستحقاقات الانتخابات التشريعية المقبلة التي ستجرى بعد سبعة أشهر من الآن. وترصد الكاتبة العوائق والتجاذبات التي ألقت بظلالها على جميع المساعي لتفعيل الحوار الوطني اللبناني، برعاية الرئيس سليمان. والسبب الأول في ذلك هو توصيف كل من الموالاة والمعارضة لكيفية انتهاء الأزمة بعد اتفاق الدوحة. فالمعارضة ترى أن ضعف الموقف الإقليمي الأميركي، أو حتى سقوط الأجندة الأميركية، هو ما دفع الموالاة أصلاً للجنوح للمصالحة. في حين ترى الموالاة أن العكس هو الصحيح. فالضغوط الدولية القوية المتعلقة بالملف النووي الإيراني، معطوفاً على ذلك الاختراقات النسبية الممكنة على المسار السوري/ الإسرائيلي هما ما دفع المعارضة -وتحديداً "حزب الله"- إلى قبول تسوية الأزمة أصلاً. وتنتهي الكاتبة إلى استنتاج حدوث احتكاكات واصطفافات سياسية جديدة كلما ازداد قرب موعد الانتخابات مرجحة ألا يكون فك الاشتباك السياسي القائم الآن بنفس السهولة التي تمت بها تسوية الأزمة. إعداد: حسن ولد المختار