في ظل تفكيك الوحدات التنظيمية للنظام العربي الإقليمي وانهيار النظام العربي القديم، أصبحت إيران تنظر إلى الأوضاع الجديدة على أنها فرصة مواتية لتحقيق مصالحها القومية ومدخل مناسب لدور إقليمي أكثر فاعلية. ومن الأمور المعلومة أن إيران تقف دائماً ضد أي تجمع عربي إقليمي على صعيديْ الخليج والعالم العربي، وهناك أسباب إيرانية متعددة لذلك الموقف، أهمها أن الشرعية السياسية لأي تجمع إقليمي عربي لابد أن تقوم أو أن تحتوي في مضامينها على مقولات ترتبط بالقومية العربية والوحدة العربية والتكامل العربي على الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية. وطروحات من هذا القبيل، تتعارض مع الطموحات الإيرانية المرتكزة على الأيديولوجيا الدينية المرتبطة بالجامعة الإسلامية والصياغة الحديثة لدار الإسلام والراديكالية الشيعية الاثني عشرية وولاية الفقيه، وهذا الطرح الثيوقراطي يمثل تحدياً لشرعية النظم السياسية العربية عامة. لكن ما يعوق الطموحات الإيرانية هو الطروحات الغربية حول الشرق الأوسط الكبير، فوفقاً لذلك ستدخل إيران طرفاً عادياً من أطراف الشرق الأوسط الكبير المقترح، إلى جانب أطراف فاعلة أخرى وليس لها ميزة على الآخرين. ولو تم تحقيق ذلك، فإن إيران ترى وجود تحديات قوية لمصالحها الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية ولتطلعات الهيمنة وتصدير الثورة التي تنادي بها منذ عام 1979. وأيضاً ترى إيران أن ذلك قد يؤثر على وضعها كدولة ذات ثقل ووزن سياسي وعسكري في المنطقة. وتبرز المعارضة الإيرانية تلك من خلال ما يطرح تجاه كافة الأطراف في الخليج والعالم العربي وجواره الجغرافي والولايات المتحدة وحلفائها الآخرين، وهذا يطرح عقبات وتحديات أمام السياسة الإيرانية. تتجلى تلك التحديات في أمور أربعة: الأول، هو أن وجود إسرائيل يمثل تحدياً للطموح المتعلق بالدور الإقليمي، الذي ترغب إيران في لعبه على صعيد الشرق الأوسط المزمع تشكيله. والثاني، هو أن تركيا تريد فتح أسواق جديدة لاقتصادها عن طريق تصدير سلعها وعمالتها إلى الأسواق العربية، خاصة أسواق دول مجلس التعاون الخليجي والعراق مستقبلاً. والثالث، هو أن دول المجلس أعطت موافقتها الواضحة والرمزية للدخول في نظام الشرق الأوسط الكبير، وقد تعزز ذلك نتيجة لغزو الولايات المتحدة العراق عام 2003. والرابع، هو أن تركيا وإسرائيل وبعض دول آسيا الوسطى القريبة من الحدود الإيرانية تعتمد على دور أميركي- أوروبي فاعل في مضمار إعادة تشكيل النظام الإقليمي الجديد للشرق الأوسط، وتشكل هذه الأطراف تحديات عسكرية بارزة لإيران في المنطقة. لكن، هل يمكن لإيران القبول بالنظام الشرق أوسطي الجديد، هذا في أية مرحلة قادمة رغم ما يمثله ذلك من تقليص لدورها الإقليمي المأمول؟ ويا للعجب ربما تكون الإجابة عن السؤال بالإيجاب في نهاية المطاف برغم ما ذكرناه عن معارضة إيرانية له منذ البداية. ورغم غياب تصورات إيرانية محددة لهذا النظام خارج رؤيتها القائمة لنظام أمن الخليج، فإن إيران قد تقبل المشاركة مستقبلاً في ترتيبات أبعد من الخليج، لكن ذلك سيكون مرتبطاً بتوفير دور متميز لها أمنياً وسياسياً واقتصادياً. من هذا المنطلق تأتي الضغوط والتحركات والتحرشات الإيرانية المتكررة في الخليج، التي تستهدف في جانب منها إبعاد دول المجلس عن أية محاولات لحصر ترتيبات أمن الخليج في إطار مجلسها. ويرتبط ذلك أيضاً بما تتوقعه إيران من نجاحات لها في ملء الفراغ الذي ظهر في آسيا الوسطى، ويأتي ذلك من منطلق أن أساس التنافس بين إيران وتركيا وروسيا في آسيا الوسطى، هو توسيع لقدرات المناورة أمام السياسة الخارجية الإيرانية للحصول على عناصر قوة جديدة تمارسها في الخليج والعالم العربي. من هذا المنطلق سيصبح الخليج والعالم العربي محور سياسات واستراتيجيات إيران للعب دور إقليمي على صعيد المنطقة انطلاقاً من الخليج العربي ووسط آسيا. وسيتم ذلك عبر خطاب سياسي وسياسات تناور بين العداء المستحكم لإسرائيل ورفض وجودها في المنطقة، ولنفوذ الولايات المتحدة ودول الغرب الأخرى، وعبر ضغوط سياسية وعسكرية من قبيل ما يحدث في جزيرة أبوموسى المحتلة والمناورات العسكرية الضخمة والمتكررة، وعبر مهادنات تهدف إلى حشر إيران لذاتها في صيغة ما تجمعها مع دول الخليج العربية بما في ذلك العراق بعد انسحاب الولايات المتحدة عسكرياً منه، وذلك بهدف تحقيق أقصى قدر من المصالح السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية الإيرانية على حساب جميع الأطراف الأخرى. من جانب آخر، يرى الإيرانيون في هذه المرحلة أن الولايات المتحدة ودول الغرب الأخرى، ومعهما إسرائيل من خلف ستار، تدفع بالمنطقة العربية وجوارها الجغرافي إلى تكوين الشرق الأوسط الكبير في أسرع وقت. ولكن في المجمل وعبر الشعارات الرنانة، التي تبدو غير ذات مصداقية حقيقية، تنظر إيران إلى هذا المسعى على أنه عهد استعماري- إمبريالي جديد.