في مقال سابق، تطرقت إلى هويتنا الوطنية وأهمية فحص ما تقوم به وزاراتنا المختلفة من أجل تحقيق ما دعا له صاحب السمو رئيس الدولة عندما خصص هذا العام للهوية الوطنية، وفي ختام المقال اقترحت أن يعقد مؤتمر علمي للتباحث حول هذا الأمر، وكي لا يكون المؤتمر إعلامياً من الدرجة الأولى ولمجرد المزايدات الإعلامية، فإني أقترح أن ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، وأن يكون محدود المشاركة، ويدعى له أصحاب القرار والمهتمون بالقضية من الأكاديميين والخبراء الوطنيين. وقد يستغرب البعض من هذا الطرح، لكن إن كان ما نشر في إحدى جرائدنا الوطنية صحيحاً -من أن الإماراتيين في دولة الإمارات لا يجاوز عددهم 14% من السكان، وأن الجالية من شبه القارة الهندية وحدها تمثل ما نسبته 60% من المقيمين في الدولة- فلايحتاج العاقل عندها لبيان خطورة الوضع من جميع الجوانب. فمن بين أكثر من ستة ملايين شخص يعيشون على تراب دولة الإمارات العربية المتحدة، لا يتجاوز عدد الإماراتيين فيها المليون، أما جنسيات العرب المختلفة فقد بلغ عددهم 800 ألف نسمة بنسبة 12%. وبعدها نطرح السؤال: أليست هويتنا في خطر؟ الجواب كما يقال في مثلنا القديم "الكثرة تغلب الشجاعة"، والأمر لا يقتصر على الهوية وحدها، بل لهذا الأمر مترتبات أمنية واقتصادية، فالسؤال الاقتصادي المنطقي يقول: إلى أين تذهب دراهمنا في نهاية كل شهر، وماذا سيجري من الناحية الاقتصادية لو -لا قدر الله- تم سحب كافة الودائع الأجنبية من الدولة؟ أميركا على قدر اقتصادها الوطني كانت تشكو من خطورة وجود أموال أجنبية على أراضيها تخاف من أن تتسبب في زلزال اقتصادي لو تم تحويلها إلى خارج أميركا، فأين نحن منهم؟ ألمانيا تنظم أكثر من دراسة للتعامل مع التركيبة السكانية لتزايد أعداد المهاجرين إليها، وهم لم يصلوا إلى حالنا من حيث التركيبة... ليس ما أطرحه عنصرية ضيقة كما قد يعتقد البعض، كما أنه ليس تشكيكاً في قوة اقتصادنا الوطني، لكن من حق الأجيال القادمة علينا أن نعد لهم مكاناً مناسباً في عالم تتصارع فيه القيم وتتلاطم فيه الهويات ولا يسبق في سباق كهذا إلا من أعد له راحلة مناسبة وزاداً يرتوي به في حر التحديات وتلاطم الأزمات. مؤتمر الهوية الذي أقترحه ينبغي أن يتفاكر فيه الناس حول متغيرات أساسية أقترحها، ومنها الولاء لمن في هذا الوطن، والبراء من أفكار قد تزعزع استقراه، والانتماء إلى ثوابتنا الوطنية من دين ولغة وقيم وتقاليد، وأمن يكون فيه كل إماراتي حارساً في ثغرة لن يدخلها عدو من قبله. لو تفكرنا فيما سبق من كلمات لرأينا جوانب من الخلل ينبغي أن تسد وأهدافاً ينبغي أن تتكاتف حولها كل الجهود، عندما يصبح ولاء الإنسان للثروة والمال فإنه لن يبالي بتراب وطنه لأن ماله هو محور حياته وحيثما كان المال فإنه وطنه الذي يدور معه، وهنا تكون الخطورة حيث يتسابق الناس في السوق المفتوحة لجني الثراء الفاحش ولو كان على حساب الوطن والولاء له، الفكر له بعد آخر، فمن يعش بيننا ينبغ أن ينتمي لفكرنا نحن أهل الإمارات ولا يستورد أفكاراً مشوشة من شرق وغرب، لأن الفكر متى ما خضع له العقل أصبح صاحبه سلاحاً موجهاً من الخارج للداخل وهنا تكمن خطورة الأفكار المستوردة التي تشرَّبها البعض للأسف الشديد، أما قضية الانتماء للثوابت الوطنية فإنها محور أساسي لتحقيق الطموحات الوطنية فالثوابت الوطنية تمثل قاعدة الارتكاز التي نبني عليها قواعد المستقبل لنا ولأبنائنا من بعدنا، وإذا ما كان خلل في هذه القواعد فكل ما يبنى عليها مصيره الزلزلة التي لن تبقي له أثراً، وكل ما سبق سيعزز الأمن الذي نريده، فلا حياة بلا أمن ولا أمن لمن لا انتماء له.