رغم كل ما يقال عن تراجع مكانة الولايات المتحدة الأميركية على الساحة الدولية، كقوة عالمية، بسبب مشكالها العديدة وأزمتها المالية الحالية، ورغم الضعف الذي يعتور أوروبا المنقسمة على نفسها، وترويج البعض لصعود قوى جديدة وتشكل محاور عالمية مناوئة للغرب... يرى خبير الشؤون الروسية "بولو لو" في كتابه الذي نعرضه هنا، وعنوانه "محور المصلحة: موسكو وبكين والجيوبولتيك الجديد"، أن المصلحة وليس أي شيء آخر هي ما يحكم العلاقات الدولية، مخالفاً كل من يعتقد بأن المستقبل في يد التحالف الصيني الروسي الجديد، وبأن مرحلة الديمقراطيات الليبرالية في تراجع. فالكتاب يفنذ المزاعم والادعاءات التي يطلقها بعض الكتاب الغربيين من أن تحالفاً عسكرياً واستراتيجياً بين بكين وموسكو بات وشيكاً ليهدد المصالح الغربية ليس فقط في آسيا، بل في عموم العالم. هذه المخاوف التي تقض مضاجع الغربيين يسعى المؤلف إلى تهدئتها بتوضيحه لطبيعة العلاقة المعقدة بين القوتين وتبديد الشكوك حيالها بنفيه لأي طابع استراتيجي في العلاقة والتأكيد بدلا من ذلك على بعدها المصلحي الخالص، فضلا عن إشارته للتخوف القائم بينهما على أكثر من مستوى. وبعيداً عن العلاقة المتواطئة التي يصورها طائفة من المحللين في الغرب بين الصين الصاعدة اقتصادياً في العالم، وبين روسيا الناهضة من كبوتها بعد سقوط الاتحاد السوفييتي والمستعرضة لعضلاتها في محيطها الحيوي، ينبهنا الكاتب إلى أن العلاقة بينهما لا يمكن فهمها إلا في إطار المصالح البرجماتية للبلدين وبأنها لا صلة لها بالخطط والمؤامرت ضد الغرب، كما يخشى المحللون. فرغم العلاقات التجارية المتنامية بين روسيا والصين والتعاون المشترك بينهما في أكثر من مجال، وارتفاع نسبة التبادل التجاري بينهما ثماني مرات، فضلا عن اشتراكهما في نفس النظام الرأسمالي غير الليبرالي... فإن العلاقات بينهما لم ترتقِ بعد إلى المستوى الاستراتيجي الذي قد يهدد الغرب. والسبب، حسب الكاتب، يرجع إلى اختلاف المصالح القومية للبلدين وما يستتبعها من تباين في المشاريع الوطنية، فبالنسبة لروسيا يبقى هاجسها الأكبر تأمين أطرافها الشرقية المتاخمة للصين والتي انتزعتها منها في حروب القرن التاسع عشر، لكنها عادت اليوم لتميل، وإن كانت تابعة لروسيا، إلى الصين لما تمارسه من نفوذ اقتصادي كبير وما توفره من فرص للنمو والازدهار. هذا التوازن المختل بين روسيا والصين على الصعيد الاقتصادي يجعل بكين قادرة على التحكم في علاقتها مع المناطق الشرقية الروسية واستمالتها اقتصادياً، وهو ما تنظر إليه موسكو بعين الترقب والحذر. واللافت أن رئيس الوزراء الروسي الحالي فلاديمير بوتين سبق أن عبر عن المخاوف الروسية في عام 2000 عندما كان رئيساً بقوله: "إذا لم نبذل جهوداً على المدى القصير لتطوير الأطراف الشرقية لروسيا، فإنه بعد عقود قليلة سيتحدث السكان الروس في تلك المناطق اللغة اليابانية والصينية والكورية... والحال أنها جزء لا يتجزأ من التراب الروسي". أما على الجانب الصيني فيرى الكاتب أن بكين مرتاحة للعزلة الدولية التي تعاني منها موسكو في هذه الفترة بسبب تدخلها العسكري في جورجيا لأن هدف الصين النهائي هو تأمين وحماية مناطقها الخلفية ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة لها، كما أن الصين، وبعكس روسيا، تتطلع إلى نوع من الاستقرار الدولي لما في ذلك من تعزيز لنموها الاقتصادي ودعم ازدهارها الداخلي. والأكثر من ذلك ينفي الكاتب أن يكون أعضاء مجموعة الدول الناشئة، وهم الصين والهند وروسيا والبرازيل، على قدم المساواة، معتبراً أن القوى الحقيقية الصاعدة بينهم لا تخرج عن الصين والهند فيما تظل روسيا والبرازيل بعيدتين عن الريادة الدولية. وفيما يتعلق بمنطقة وسط آسيا الاستراتيجية، يوضح المؤلف أن العلاقة بين الصين وروسيا هي تنافسية أكثر منها تشاركية، إذ فيما تسعى روسيا إلى العودة مجدداً إلى المنطقة كقوة عالمية تنازع الولايات المتحدة، تكتفي الصين بطرح نفسها كقوة ضمن قوى أخرى لا تبحث سوى عن موطئ قدم في جمهوريات آسيا الوسطى الغنية بالطاقة من خلال تعزيز التبادل التجاري معها. ويؤكد المؤلف أيضاً أن الصين لا ترغب في أن تأتي علاقتها مع روسيا على حساب صلاتها الأهم مع الولايات المتحدة والغرب عموماً، وهو ما اتضح بجلاء عندما عرقلت الصين دعم منظمة شنجهاي للتعاون التحرك العسكري الروسي ضد جورجيا وأصرت على التزام الحياد. فالمنظمة ليست بالنسبة للصين أكثر من إطار إقليمي يضفي الشرعية على نفوذها في آسيا، ولا تريد أن تتحول إلى ورقة روسية لابتزاز الغرب، ومع أن روسيا عرفت كيف تستغل انقسامات أوروبا وحاجتها لطاقة كي تدعم أجندتها، فإنها فشلت في تحويل الصين إلى حليف يؤيد سياستها، أو ورقة لتخويف أوروبا. والوضع لا يختلف كثيراً عند النظر إلى الصورة الأشمل والتوازنات الجيوسياسية التي يرى الكاتب أنها تفرق أكثر مما تجمع بين روسيا والصين بسبب الاختلاف الجوهري في نظرتهما إلى النظام العالمي الجديد. ففيما تسعى روسيا إلى التموضع كقوة أوروبية ومسيحية هدفها العودة إلى الساحة الدولية كفاعل أساسي من خلال التصدي للهيمنة الأميركية، ترى الصين أنه لا محيد عن الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة على أقل خلال الفترة الحالية، لذا لا فائدة من اتباع سياسات تقوض العلاقات الصينية الأميركية. زهير الكساب ------------ الكتاب: محور المصلحة: موسكو وبكين والجيوبولتيك الجديد المؤلف: بولو لو الناشر: معهد بروكينجز تاريخ النشر: نوفمبر 2008