خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة، كان الخوف من أن تعبر العنصرية الدفينة عن نفسها فتحسم نتيجة الانتخابات على أساس عرقي بحت. وبالنسبة لأوباما فقد كان الخوف دائماً مما يعرف بـ"عامل برادلي" حيث يقول الناخبون البيض شيئاً مختلفاً لمستطلعي الرأي الانتخابي عن نواياهم، فيعِد بعضهم بالتصويت لصالح المرشح الأفريقي الأصل، ثم يدلون بأصواتهم سراً في صناديق الاقتراع لصالح المرشح الأبيض. وكان الخوف الأعظم أن ترد الطبقة المتوسطة العاملة البيضاء الصاع صاعين لأوباما الذي وصفها بالمرارة والغبن، فتظهر له مرارتها وغبنها عليه عبر صناديق الاقتراع. غير أن من رأي الخبراء أن ما غاب في هذه المخاوف، النتائج التي توصلت إليها دراسات نفسية أجريت مؤخراً حول التعصب العرقي. وأهم ما أشارت إليه هذه الدراسات هو إمكانية تزايد بناء جسور الثقة المتبادلة بين الأفراد المنتمين إلى عرقيات متباينة، بأسرع مما يمكن تصوره مع احتمال انتشارها بذات السرعة التي ينتشر بها الشك وعدم الاطمئنان العرقي للآخر. فقد تمكن بعض الباحثين النفسيين من إقامة علاقات ثنائية بين أفراد يتباينون عرقياً وثقافياً: أبيض وأسود، لاتيني وآسيوي، أسود ولاتيني، أبيض وآسيوي... وهكذا، خلال مدة لم تتجاوز بضع ساعات فحسب. والأهم أن هذا النوع من العلاقات، سرعان ما يسهم في تخفيف التعصب الشعوري واللاشعوري ضد الطرف الآخر، كما يسهم في تخفيف الشعور بالتعصب ضد المجموعة العرقية التي ينتمي إليها كل طرف من أطراف العلاقة. واتضح من خلال الدراسة العلمية النفسية، أن في الإمكان انتشار "التواصل الممتد" مثلما ينتشر الفيروس الحميد بين مجموعات عرقية شتى، لا تتبادل الثقة فيما بينها، أياً كان مستوى عدم التبادل. وكما تقول ليندا آر. تروب، أستاذة علم النفس المشاركة بجامعة ماساشوسيتس، فإنه يجب أن نتذكر حقيقة وجود التعصب العنصري الضمني في مجتمعنا. لكن من المهم في الوقت نفسه أن ندرك أن هذه الحقيقة لا تمثل سوى نصف القصة التي نحن بصددد حكايتها هنا. فمع حدوث تغيرات أوسع نطاقاً على صعيد المجتمع ككل، يصبح الأفراد أكثر استعداداً وقدرة على تخطي الحواجز العرقية التي تفصل بينهم. وتنطبق هذه القدرة على البيض بقدر ما تنطبق على الأقليات الأخرى. ورغم انتخاب أوباما، لا يزال التعصب العرقي يؤثر على جوانب كثيرة من حياتنا اليومية، سواء أكان بشكله الفردي أم المؤسسي الاجتماعي. وهذه حقيقة يتفق عليها جميع الخبراء. غير أن الذي حدث خلال الانتخابات الأخيرة، هو سيطرة الهاجس الاقتصادي على غيره من الهواجس الأخرى، خاصة هاجس التعصب العرقي لدى كثير من الناخبين البيض. والحق أن عامل التعصب العرقي كان لصالح أوباما هذه المرة أكثر مما كان ضده. فضمن الـ17? من الناخبين الذين أكدوا تأثير الانتماء العرقي على قراراتهم الانتخابية لصالح ماكين، كان الفوز لصالح أوباما من إجمالي الناخبين الذين أقروا خلال استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات، بتأثير العامل العرقي على قراراتهم الانتخابية، بمن فيهم بعض المنتمين إلى النسبة المشار إليها أعلاه. من هؤلاء قال نيلسون مونتجومري، وهو مدير أعمال أبيض من بافالو عمره 50 عاماً وسبق له أن جاور الأفارقة في وقت مبكر من حياته العملية، قال إنني عضو مسجل في الحزب الجمهوري، ولكي أصوت لصالح أوباما، كان لا بد لي أن أثق به إلى حد يكفي لأن أمنحه صوتي. كان عليّ أن أثق بأنه سيعامل جميع الأميركيين على قدم المساواة، وأنه لن يهتم بفئة اجتماعية على حساب فئات المجتمع الأخرى. ومضى مونتجومري إلى القول: اتضح لي أننا نعاني من استقطاب عرقي حاد، وأن أكثر ما نحتاجه الآن هو بناء جسور الثقة بيننا. لذلك فقد شعرت بأن في وسع أوباما أن يساعد على بناء هذه الجسور. ومن خلال دراسات عديدة أجريت خلال السنوات الماضية، تمكن العلماء من التدليل على السرعة التي يمكن بها بناء الثقة وإقامة العلاقات الجيدة بين أفراد متباينين في انتمائهم العرقي، متى ما توفرت الظروف والبيئة الملائمان. ولتأكيد ذلك، جمع الباحثون والعلماء النفسانيون بين ثنائيات من الأفراد الغرباء عن بعضهم البعض في جلسات استمرت أربع ساعات فحسب. في الجلسة الأولى يتبادل كل ثنائي الإجابة عن قائمة أسئلة معدة سلفاً مثل: هل ترغب في أن تكون مشهوراً؟ كيف وبأي شكل؟ لتصل إلى سؤال أكثر جدية مثل: ما الذي تتمنى تغييره في الطريقة التي تربيت بها، إذا ما أتيحت لك الفرصة المناسبة؟ أما في الجلسة الثانية فيتبارى المشاركون فيما بينهم على عدد من ألعاب التسلية. وفي الجلسة الثالثة يتحدثون عن عدد من الموضوعات، بما فيها الأسباب التي تدعو المرء للافتخار بانتمائه العرقي، سواء كان أبيض أم لاتينياً أم أسود أم آسيوياً؟ وفي الجلسة الرابعة والأخيرة يتبادل المشاركون تغطية عيونهم بينما يوجه الطرف الآخر من الثنائي المشارك زميله أو زميلته بما يجب القيام به داخل المكان المحدد للجلسات. ورغم بساطتها وسهولتها، تساعد هذه التمارين على خلق علاقة قوية وجيدة. تلك هي النتيجة التي توصل إليها البروفيسور آرت آرون، أستاذ علم النفس بجامعة "ستوني بروك"، وهو الذي طور برنامج الجلسات الأربع الموصوف أعلاه، بالاشتراك مع زوجته "إلين آرون". بنديديكت كاري --------- كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"