ليس المهم أن نتحدث كثيراً عن باراك أوباما وبلاغته الخطابية وذكائه الفطري وجذوره الأفريقية ووالده المسلم، وكيف وصل إلى البيت الأبيض؟ بل المهم هو ما يتعلق بنا نحن العرب والمسلمين بعد هذا التغيير؟ كيف سيكون موقف ودور الإدارة الجديدة من قضايانا في فلسطين والعراق وأفغانستان؟ أغلب الكتابات العربية حول ذلك التغيير، اتصفت باستعجال في الحكم والإفراط في التفاؤل، دون أن تكون لديها قدرة على فهم الواقع السياسي الجديد ووضعه تحت مجهر التشخيص الدقيق، بل كان تركيزها فقط على شخص الرئيس. والأمر المهم، أننا حتى الآن لا نملك مركزاً عربياً متخصصاً لدراسة الظاهرة السياسية في الغرب، وبالأخص في أميركا، بحيث تصبح لدينا المعايير الدقيقة والرؤية الصحيحة لقياس اتجاهات السياسة الأميركية نحو قضايا العالم العربي والإسلامي، ولتعميق الفهم حول هذه السياسة. باراك أوباما كرئيس أميركي لن يختلف في الجوهر عن غيره من الرؤساء الأميركيين السابقين، هذه حقيقة يجب أن ندركها الآن، وأن نكون حذرين من الإفراط في التفاؤل، خاصة في موضوع التغيير والتوجه السياسي الأميركي، حيث أنه من الخطأ القول إن سياسة الإدارة السابقة، بقيادة جورج بوش، والتي عانى منها العالم كثيراً، اتسمت بالفردية، لمجرد أن رئيسها كان بوش شخصياً... فالقرار في أميركا ليس قرار فرد بل هو قرار مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية، وثوابت سياسية محددة تتعلق بالأمن القومي الأميركي لا يخرج عنها أي رئيس. ومن هنا جاءت نصيحة الكاتب الأميركي جون ميشان لأوباما قائلا: عليك أن تدرك أنك تحكم دولة محافظة بالفطرة أكثر مما هي ليبرالية، فغالبية الرؤساء الديمقراطيين دفعوا ثمناً لعدم معرفتهم لهذا التوجه. هناك العديد من العلامات على أن التغيير الذي ننتظره في العديد من الملفات السياسية، وخاصة الملفين الفلسطيني والعراقي، قد لا يحدث فيه شيء ويكفي إشارة على ذلك موقف أوباما عقب فوزه بترشيح الحزب الديمقراطي، حيث أعلن أمام منظمة "إيباك" أن أمن إسرائيل "مقدس" بالنسبة إليه وأن مدينة القدس هي وقف يهودي وستبقى العاصمة الموحدة لإسرائيل. ثم أوضح في مقابلة مع مجلة "أتلانتيك" قوة وعمق العلاقة التي تربطه بالجالية اليهودية، خاصة في شيكاغو. وقبل شهور تحدث نائبه جو بايدن في المؤتمر السنوي الديمقراطي اليهودي قائلاً: أنا أقوى سيناتور أيد إسرائيل خلال سنوات عملي في الكونجرس، وأضاف: ماذا سيفعل العرب لو أيدنا احتلال إسرائيل الدائم للقدس الشرقية؟ وأول قرار أصدره الرئيس الجديد هو تعيين "رام إسرائيل إيمانويل"، اليهودي الذي خدم في الجيش الإسرائيلي، كبيراً لموظفي البيت الأبيض، فعلقت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية قائلة: "إنه رجلنا في البيت الأبيض"! وقد أصدر زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب بياناً استغرب فيه ذلك التعيين، حيث قال: هذا خيار يثير الاستغراب من الرئيس المنتخب الذي وعد بالتغيير وبأن يجعل السياسة أكثر تحضراً وأن يحكم من الوسط. حتى الملف العراقي قد لا يحدث فيه أكثر من مجرد تغيير تكتيكي، لكن الهدف الأساسي للوجود الأميركي هناك، سيظل كما هو دون تبدل. إن تجربة السود في مركز القرار الأميركي ليست جديدة، فتاريخ هذه التجربة يؤكد لنا أنهم كانوا مجرد أدوات في يد الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، لم يكن لهم موقف مؤثر أو قرار خاص، ويكفي كمثال على ذلك أن وزير الخارجية السابق كولن باول والوزيرة الحالية كوندوليزا رايس، ظلا طوال ثماني سنوات صامتين أمام كل التجاوزات والأخطاء التي ارتكبتها إدارة الرئيس جورج بوش، لم يحركا ساكناً، لم يكن لهما موقف أو أثر سياسي خاص، كانا مجرد أداة يحركها الرئيس مثلما يريد!