فوز أوباما ساهم في تخفيف حدة الكراهية لأميركا بشكل عام، بل جعل من الكارهين قريبين من الحلم الجميل الذي بات حقيقة معنوياً على أقل تقدير، وهو جزء من التفريغ النفسي للبعض الذي يرى أن مثل هذه الأحلام عصية على الإنجاز في مجتمعه، وإن كان هناك في هذا الخضم من عبَّر عن هذا الفوز التاريخي في صيغة ساخرة وتشاؤمية بقوله: ماذا يعني هذا الفوز، هل سيحرر لنا فلسطين؟! ولا نعلم إذا كان فعلاً هذا التحرير جزءاً من ضريبة يجب أن يدفعها أوباما لأنه استطاع أن يزيح كابوس العنصرية في أميركا بصعوده إلى سدة الحكم وكأن هذا النصر لن يكتمل إلا بسعي أوباما للتخلص من عنصرية إسرائيل أيضاً. هناك تشبيك واضح في الملفات الثقيلة التي من المفترض على أوباما وضع أجندة الاستحقاقات لها، ففي أذهان البعض من عالمنا الثالثي أن فلسطين، العراق، أفغانستان... إلخ، أولويات واجبة على أوباما، وهو منطق غريب لأنه حتى في الداخل العربي لا يملك الفرد أن يفرض على نظام الحكم أجندة بهذا الشكل، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بدولة يساهم أوباما في السنوات المقبلة سواء كانت لفترة رئاسية واحدة أو لدورتين، في امتداد عظمة دولته وهو أمر لا ينبغي أن يغيظ كارهي أميركا، بل من حق أي دولة أخرى أن تنافس أميركا على المركز الأول وأول شرط للوصول إلى هذه الدرجة هو دفع ضريبة هذا الاستحقاق وانتخاب أوباما دليل على أن هذا الوضع سيستمر لعقد آخر دون منافس، هذا ما يقوله الواقع السياسي وما تؤكد عليه مراكز الأبحاث الاستراتيجية في العالم الأول. فالملفات الثقيلة التي أعجزت أصحابها الفعليين عن حملها لعقود مضت، حملها الآن الإنسان الأميركي الذي يوصف اليوم بالظلوم الجهول، مع أن هذه إشارة واضحة إلى ثقل أميركا على المستوى العالمي. إننا أمة يمارس فيها البعض إصدار الأحكام وفق "وخلق الإنسان عجولاً" بالحرف الواحد، وليست لدينا الجرأة أو الشجاعة في التراجع عن هذه العجلة التي تطحن الحقائق تحتها خوفاً من تهمة الإنصاف وهو أكبر معضلة نفسية يعاني منها البعض الذي يريد أن يحجب الشمس بإصبعه. في هذا الخضم نتطلع على أدبيات المفكرين الأميركان الذين يحثون الآخرين على التعامل مع أوباما على أساس أنه رئيس للولايات المتحدة الأميركية فقط لا غير، أي بمعنى أنه ليس رئيساً للعالم، وإن كان قدر أميركا الواقعي أن تصبح القوة الأولى رغم وجود قوى أخرى مؤثرة في العالم كالاتحاد الأوروبي وإن كان هذا الاتحاد كثيراً ما ينتظر دعم "العم سام" في القضايا أو الملفات الساخنة أو الحساسة في العالم، ولن يكون ملف الأزمة المالية العالمية الآخر في الترتيب، لأن العالم من حولنا تحوطه سلة ضخمة من المهملات التي قد تتحول إلى بؤرة الأحداث اللاهبة على مستوى العالم. في عالمنا الثالثي بدأ العد التنازلي بجردة الحساب لوعود أوباما الانتخابية منذ الإعلان عن فوزه قبل أن يصحو الشعب الأميركي من نشوة انتصاره في مفارقة صارخة لأساسيات التعامل مع الآخر. أميركا- أوباما لم تتخل عن الحمل الأعظم في تركة بوش الثقيلة، وبالمقابل لم تتبرع دولة أخرى بإعفائها من هذا الحمل الثقيل، فهي لا زالت قادرة على أداء الدور المطلوب منها في المرحلة المقبلة بشهادة الأغيار وليس الأخيار، بدليل الأسئلة التي تطرح من عالمنا وهي مليئة بلماذا؟ أكثر منها بكيف؟ مثال، لماذا اختار أوباما يهودياً كأكبر مسؤول في البيت الأبيض، وكأن السياسة الخارجية الأميركية ستتغير إذا اختار غيره؟ إن البعض الأسير لمثل هذه الأسئلة، لم يطرح السؤال عن كيفية الخروج من الأزمة المالية الطاحنة للداخل الأميركي والخارج العالمي، ودائماً جواب الكيف نكتشفه عند الأميركان أنفسهم، فهل نعي بعد ذلك حقيقة أن تكون دولة عظمى وتحمل أعباءً ثقيلة؟!