في وقت مبكر من صباح أحد أيام شهر سبتمبر الماضي، كنت جالساً في غرفتي بأحد الفنادق أشاهد محطة "سي. إن. بي. إس" التي كانت تبث مقابلة مع "بوب نارديلي" كبير المديرين التنفيذيين بشركة "كرايزلر" وهو شرح الأسباب التي جعلت صناعة السيارة في حاجة آنذاك إلى 25 مليار دولار في صورة ضمانات قروض. لم يكن ذلك المبلغ مطلوباً للإنقاذ المالي كما قال، وإنما كان مجرد وسيلة لتمكين مصنعي السيارات من إعادة التزود بالإمكانيات اللازمة التي تمكنهم من الابتكار في مجال هذه الصناعة. لم أتمالك نفسي من الصياح في غضب أمام الشاشة "هل مطلوب منا أن ندعمكم بـ 25 مليار دولار كي تبتكرون؟ وماذا كنتم تفعلون من قبل..؟"، كيف استطاعت هذه الشركات أن تظل على هذا القدر من السوء طيلة هذا الوقت؟ ليس هناك من شك في أن ذلك المزيج من ثقافة العمل البعيدة كل البعد عن الابتكار، والإدارة المفتقرة إلى الرؤية، وعقود العمل المفرطة في السخاء، هو الذي يمكن أن يقدم جزءاً كبيراً من الإجابة على هذا السؤال. إن ذلك المزيج هو الذي أدى إلى وضع، كان بمقدور شركات صناعة السيارات فيه أن تحقق الأرباح من خلال بيع الشاحنات الضخمة والسيارات الرياضية متعددة الاستخدامات، التي تستهلك الوقود بشراهة بدلاً من التركيز على تحقيق الأرباح من خلال الابتكار من أجل تحقيق الكفاءة في استخدام الوقود، وزيادة الانتاجية، وتحسين التصميمات. ليس هذا فحسب بل وجدنا تلك الشركات تستهلك قدراً كبيراً للغاية من طاقتها في التحالف مع جماعات الضغط، وعمل المناورات في الكونجرس من أجل حماية إنتاج ذلك النوع من السيارات الشرهة في استهلاك الوقود، وذلك بإبرام صفقات خاصة مع الكونجرس تسمح لصناع السيارات في ديترويت بحساب عدد الكيلوات التي تقطعها السيارات الشرهة في استهلاك الوقود بالجالون الواحد بطريقة تجعلها تبدو أقل مما هي عليه بالفعل، كما تسمح لهم بمنح كل مشتر لسيارة من تلك السيارات كوبونات للحصول على البنزين بسعر 1.99 دولار للجالون لمدة عام كامل، كما تضمنت أيضاً ممارسة ضغوط لا نهاية لها لمنع الكونجرس من رفع سقف متطلباته الخاصة بعدد الأميال التي تقطعها السيارة في كل جالون، وكانت النتيجة المحتمة لذلك هو أن العقول المفكرة في شركات صناعة السيارات توقفت عن العمل. هذا هو نمط الشركات التي يطلب من دافع الضرائب إنقاذها.وأرجوكم هنا أن توفروا على أنفسكم دموع التماسيح، التي تذرفونها حسرة على نفقات الرعاية الصحية التي تتكبدها شركة جنرال موتورز... صحيح أن تلك النفقات باهظة، ولكن ما الذي دعا جنرال موتورز" إلى الوقوف ساكنة وعدم دعم برنامج الرعاية الصحية القومي، عندما كانت هيلاري كلينتون تجاهد من أجل إقراره في الكونجرس"كما يتساءل" دان بيكر" أحد كبار أعضاء جماعات الضغط من أجل حماية البيئة. وصُناع السيارات ليسوا هم الوحيدين الذين يمكن توجيه اللوم إليهم على هذا الانحراف عن الدرب، بل إن اللوم يجب أن يوجه أيضاً لممثلي ولاية ميشيجان في مجلسي الشيوخ والنواب، الذين دأبوا على مدى أعوام طويلة على التصويت حسب الأوامر التي كانت تعطيها لهم شركات واتحادات صناعة السيارات في ديترويت وكانت هذه الممارسة على وجه التحديد، هي التي حمت جنرال موتورز، وفورد، وكرايزلر من الهموم والمشكلات البيئية، المتعلقة بعدد الأميال التي يجب على السيارات أن تقطعها في الجالون الواحد، كما حمتها أيضاً من تأثير المنافسة الإقليمية، التي كان يمكن أن تجبر ديترويت على تكييف نفسها منذ فترة طويلة. والآن، وبعد أن أرحت صدري من كل هذه الهموم ،فإنني أجد نفسي مطالباً بطرح السؤال التالي: ما الذي يجب علينا عمله؟ أولاً أود القول إنني مرعوب، مثلي في ذلك مثل كل من يهمه الأمر، مما يعرف بـ"تأثير الدومينو" إذا ما تهاوت شركة "جنرال موتورز" مثلًا، وهو ما يدفعني بالتالي للقول بإننا إذا أردنا أن نستخدم أموال دافعي الضرائب لإنقاذ ديترويت، فإن ذلك يجب أن يتم وفقاً للخطوط المقترحة في المقال المنشور يوم الاثنين الماضي بصحيفة "وول ستريت جورنال"، والذي كتبه"بول إينجراسيا" المدير السابق لمكتب الصحيفة في ديترويت، والذي يقول فيه:"مقابل كل مساعدة حكومية مباشرة، يجب على مجالس إدارات شركات جنرال موتورز أن تستقيل، وأن يفقد حملة الأسهم أوراقهم المالية الرديئة المتبقية، وأن يكون لدى الحارس القضائي المعين من الحكومة- والذي يجب أن يكون شخصاً واقعياً غير مسيس- سلطة واسعة لإعادة الحيوية لجنرال موتورز، من خلال رسم خطط عملية قابلة للتنفيذ". أضيف لذلك أيضاً: أن تقوم كل شركة سيارات تحصل على أموال دافعي الضرائب بتزويد كل سيارة بمحرك لديه القدرة على العمل بالطاقة الكهربائية أو بالوقود الهجين، وعلى التحول من البنزين إلى طاقة الإيثانول، بحيث يكون جيلها التالي من السيارات بأكمله قادراً على العمل بهذه الطاقة. وفي نهاية المطاف، سوف أطالب باستدعاء "ستيف جوبز"-أحد مؤسسي شركة أبل العملاقة والرئيس التنفيذي للشركة- الرجل الذي لا يحتاج إلى رشوة حتى يمارس الاختراع والابتكار، كي أسألة إذا ما كان على استعداد لأداء الخدمة الوطنية من خلال إدارة شركة سيارات لمدة عام أم لا. وأراهن على أن الأمر لن يتطلب منه أكثر من تلك الفترة، كي يخترع لنا سيارة من إنتاج جنرال موتورز تنطبق عليها كافة المواصفات السابقة. -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"