التعليم هو أحد المجالات الأساسية لزرع القيم والتوجّهات الخاصة بنظرة الفرد إلى نفسه وإلى ثقافته وتراثه، ونظرته إلى الآخر، ولهذا فإنه إحدى الأدوات الرئيسية لتشكيل الهُوية الوطنية في دولة الإمارات العربية المتحدة، خاصة أنه معني بالنشء والشباب الذين يمثّلون عماد الحاضر والمستقبل من ناحية، والمستهدفين الرئيسيين بكل ما يهدّد هويتنا، ويعمل على تشويهها من ناحية ثانية، لهذا فقد أبدى بعضهم تخوّفه، خلال الفترة الماضية، من أن يكون تطوير التعليم، وتحديث المناهج، وفق التصوّرات والخطط التي يتم تنفيذها، سوف ينالان من الهوية الوطنية، أو يهدّدان بعض جوانبها وعناصرها المهمّة، إلا أن التوجّهات التي عبّر عنها مدير عام "مجلس أبوظبي للتعليم"، ونشرتها إحدى الصحف المحلية، مؤخراً، قد حسمت الأمر، ووجّهت رسالة طمأنة إلى المتخوّفين أو القلقين على الهوية في مناهج التعليم، وذلك عبر تأكيد أن "هويتنا الوطنية، وما يرتبط بها من عقيدة وقيم وعادات وتقاليد، يجب أن تكون راسخة في مناهجنا الدراسية وأدائنا اليومي في مختلف المؤسسات التربوية"، وأنه "لا تفريط في أي من العناصر التي يجب أن تتضمّنها المناهج الدراسية والمرتبطة بهويتنا الوطنية، فهي ترتبط بمستقبل أبنائنا ووجودهم وإسهامهم في الحضارة العالمية". إن المحافظة على الهوية لا تعني الجمود وعدم التغيير أو التحديث أو التقدّم إلى الأمام، كما أن التطوير والتحديث ليسا مرادفين للتخلّي عن الهوية، وإنما يمكن الأخذ بالاثنين معاً، بحيث تتطوّر منهاجنا التعليمية وأساليب حياتنا، وفي الوقت نفسه لا تتهدّد هويتنا أو تتعرّض للخطر، خاصة أنه ليس في ثقافتنا وتراثنا وديننا ما يقف حجر عثرة أمام الحداثة، أو يمنع التقدّم، أو يشجع على الجمود والتخلف، وليس في مقتضيات التقدّم ما يتعارض مع التمسّك بالهوية الوطنية، فهناك الكثير من المجتمعات في العالم التي تقدّمت ووصلت إلى أرقى معدّلات الرّقي والتحضّر والمدنية بينما تتمسّك بثقافتها وتراثها، ولعلّ المجتمع الياباني مثال بارز على ذلك، بل إن التمسّك بالقيم الثقافية والحضارية ودعمها وتكريسها هي نفسها باعثة على التقدّم بما تشيعه من ثقة بالنفس وإحساس بالذات. يمتلك الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلّحة، رئيس مجلس أبوظبي للتعليم، رؤية طموحة لتطوير التعليم في الإمارة، تهدف إلى جعل النظام التعليمي بها واحداً من أفضل النظم التعليمية في العالم، ولهذا فإن سموه يعطي التعليم وتطويره أهمية كبيرة، خاصة فيما يتعلّق بالمناهج التي تعدّ حجر الأساس في أي استراتيجية تعليمية متقدّمة وفاعلة، لأنه من دون منهج تعليمي عصري، لا يمكن الحديث عن مخرجات تعليم قادرة على المنافسة في سوق العمل، أو تحمّل أعباء التنمية في الدولة. ومثلما أن تطوير مناهج التعليم يمثّل أولوية في رؤية سموه للتعليم، فإن المحافظة على الهوية تمثّل أولوية مماثلة وجوهرية، دون أن يكون هناك أي تعارض بين الأولويتين، من منطلق أساسي يحكم رؤية الإمارات التنموية بشكل عام، هو أن التقدّم الذي يستند إلى استراتيجية وطنية واضحة، لا يمكن أن يكون مضاداً للهوية أو مهدّداً لها، وأن الفهم الصحيح لمعنى الهوية لا يمكن أن يجعل منها عائقاً أمام التحديث.