في كثير من جمهوريات الخوف والبطالة تم اعتناق عقيدة الثالوث المقدس في السياسة بثلاث صور عالية شاهقة، ترمق جمهوراً خاشعاً من الذل ينظر من طرف خفي. وفي خارج الفاتيكان، في كوبا وكوريا وبورما وزميلاتها العربيات، اتخذوا البابا نموذجاً يحكم إلى الأبد، ولو أصبح ظهره مقوساً 95 درجة وعلته رعشة باركنسون. وفي الميكانيكا نعلم أن ما يمسك السيارة هو الفرامل. وكذلك في عالم الإنسان فإن من يمنح الصحة النفسية هو النقد الذاتي، والتوبة باب الجنة، والطريق لنشر العدالة في المجتمع هو وجود معارضة سياسية عاقلة مسؤولة. وفي قوانين الميكانيكا كل فعل كوني له رد فعل يكافئه في القوة ويعاكسه في الاتجاه. والرجل المؤمن من آل فرعون رأى أن الحكمة هي في معارضة فرعون وليس السكوت عنه؛ فقال: (أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله). فهذه قوانين سيكولوجية اجتماعية. وقد قام "جيرولد بوست" بدراسة غيلان العصر من الديكتاتوريين، مثل موبوتو سيسي سيكو حاكم زائير المقبور، ونورييجا طاغية باناما، وبالطبع صدام حسين خليفة نبوخذ نصر، لمعرفة نفسية هذا النفر من شواذ الجنس البشري، ووصل إلى ثلاث نتائج: أن الطاغية ليس مريضاً نفسياً، بل يحسب حساباته بشكل بارد، وأنه فنان في البقاء على قيد الحياة، وأنه عديم الرحمة والضمير ولا يمكن توقع ردود فعله حينما يحاصر. وحين شنق صدام، خرج من رماد صدام ألف صدام، مؤشراً على ثقافة سرطانية... فوجب تحرير فهمنا للخطأ الأولي باتهام الطاغية صدام وصنوه من جبال الحشاشين... كما نخطئ ثانية إذا توجهنا بإصبع الاتهام إلى الطواغيت ونسينا الثقافة التي تفرخهم. فالصراصير لا تنتشر إلا في البيوت الخربة القذرة. كما نخطئ ثالثا إذا ظننا أن حل المشكلة في قتلهم، لأن المستنقع الذي يولد البعوض لا يجف بقتل بعوضة، كما فرح الجنرالات الأميركيون في العراق بمقتل الزرقاوي ليخرج من حطامه "درزن" من أمثاله مذكراً بقصة الديناصور. الشعوب هي التي تصنع الطواغيت، كما تصنع خلية النحل الملكة من أصغر العاملات، وكل ما تحتاجه حتى تصبح ملكة، هو تغذيتها برحيق خاص. وفي عالم البشر يمكن لأي ضابط مغامر من أمة مريضة، أن يقفز على ظهر حصان عسكري، فيصل إلى مركز الصدارة والتألّه، تحيي الجماهيرُ صنمَه من علوٍ يحدق في الجماهير الكئيبة بسحنة مكفهرة. وينبني على هذا تغيير زاوية الرؤية بالكامل، ألا نتوجه للزعامات المصنوعة بالكراهية، لأنها من صنع أيدينا، كمن يرى صورته في المرآة فيريد تحطيم المرآة، بأشنع من فعل القطط والشمبانزي إذا رأت ظلها واستوحشت من سحنتها. ونحن بالهجوم عليها نهجم على ذواتنا من حيث لا نشعر، فنحن من صنعها. ونحن سويناها من "الطين"، ثم نفخنا فيها فكانت وحوشاً بإذن الله. وإذا أرادت الشعوب رؤية وجهها في مرآة تاريخية؛ فليس عليها سوى أن تحدق في سحنة حكامها. وقياداتها السياسية هي أفضل قميص تتسربل به خيط عند أبرع خياط. وحينما تنضج وتكبر كما ينضج الطفل فيصبح يافعاً، لن يبقى أمامها سوى أن تبدل حلتها. سنة الله في خلقه وخسر هنالك المبطلون. لكن بيننا وبين هذا الفهم مسافة ثلاث سنوات ضوئية... ولسوف نسمع عن محكمة المخابرات كثيراً قبل أن نرشد فيدفع لنا مالنا، فمازلنا سفهاء يحكمنا الوصي... وأحكام المحكمة الجنائية على أبطال الحرية في دمشق، سوف يذكرها الناس بعد ثمانين سنة كما نذكر نحن اليوم شهداء 28 مايو قبل ثمانين من عجاف السنين...