لو فتحت صناديق وخطوط التبرعات في العالم العربي ولو كان مسموحاً بدعم حملة باراك أوباما لوجدنا التبرعات تنهال عليه بالملايين، وذلك ليس حباً في أوباما نفسه أو في الديمقراطيين ولا كرهاً في بوش والجمهوريين، وإنما حباً وتوقاً إلى التغيير وإنهاء مرحلة بوش ومحافظيه الجدد الذين وضعوا العالم على كف عفريت لسنوات. أيها الرئيس الأميركي القادم أوباما من خلال مقالتي هذه أريدك أن تعرف ماذا حدث في العالم العربي خلال الأشهر القليلة الماضية، ومن المهم أن تعرف تفاصيل ما حدث، فهذه أول مرة يتابع فيها العرب الانتخابات الأميركية يوماً بيوم وساعة بساعة، وكأنها انتخابات تجري في بلدانهم وليس في بلد يبعد آلاف الأميال عن بلدانهم. فلم يكن الصحفيون ولا السياسيون ولا المتخصصون هم الذين يتابعون هذه الانتخابات فقط، فالنساء والرجال والكبار والصغار كانوا يتابعونها باهتمام كبير ليس فقط لأن فيها رجلاً ملوناً جذوره أفريقية وعلاقاته آسيوية يخوض هذا الانتخابات، بل لأنهم صاروا اليوم يشعرون أكثر من أي يوم مضى أن الرجل الذي سيفوز في هذه الانتخابات سيؤثر على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم وسيؤثر في أدق تفاصيل حياتهم اليومية... وهذا نتيجة ما عاناه كثير من العرب خلال السنوات الثماني الماضية. وهل تعلم أن كثيراً من العرب سهروا حتى الصباح –بحكم فرق التوقيت مع الولايات المتحدة- يتابعون هذه الانتخابات وينتظرون فوز المرشح الديمقراطي، ليس لأسباب عنصرية أو عرقية وإنما لأنهم يريدون أن يكون الذي يحكم أقوى بلد في العالم رجلاً يقبل الحوار ويقبل الآخر وغير قادم من خلفيات أيديولوجية متطرفة. لا يجب أن تستغرب ولا أتوقع أن يصيبك الغرور بهذا الاهتمام العالمي بفوزك وبهذا السرور الشعبي في العالم بوصولك إلى البيت الأبيض، فأميركا بصفتها القطب الأوحد في العالم منذ سقوط الاتحاد السوفييتي صارت المهيمنة على العالم ولا أحد يقف في طريق قراراتها. ولقد أعطت السنوات الثماني الماضية العالم بأسره درساً مهماً وهو أن القرارات التي تتخذ في البيت الأبيض تؤثر على العالم بأسره بل تؤثر على حياة الأفراد بشكل مباشر، لذا كان من الطبيعي أن يفوق اهتمام اليابانيين اهتمام الأميركيين بهذه الانتخابات. الشعوب العربية صارت مستوعبة تماماً أن السياسة الأميركية في خطوطها العريضة لا تتغير مع تغير الرئيس، لذا فإنها لا تطالبك بالكثير، لكنها تعرف أيضاً أن بيد الرئيس أن يجعل بعض الأمور صعبة أو أقل صعوبة وهذا ما تنتظره فهي تريد أن تكون الأمور السياسية والاقتصادية أقل صعوبة. أيها الرئيس لقد أصبح المواطن العربي على اطلاع أكبر من أي وقت مضى بالولايات المتحدة وسياساتها ومواقفها، فلا يجب أن تقلق، فالعرب صاروا موضوعيين في توقعاتهم من رئيس الولايات المتحدة ولا يعولون كثيراً على قدومك في بعض القضايا التي يعرفون أنها ليست بيد الرئيس الأميركي بمفرده وإنما هي سياسات الدولة الأميركية، وبالتالي فسقف التوقعات من وصولك له حدود، لكن هذا لا يعني أن الأمل لا يحدو الجميع في أن تكون السنوات الأربع القادمة سنوات سلام وهدوء تتوقف فيها الحروب وتلعب الولايات المتحدة دور القوة التي تطفئ النيران التي تندلع في العالم لا أن تكون هي من يشعلها كما فعلت إدارة بوش. صحيح أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات والصلاحيات موزعة فيها فالرئيس لا يستطيع تقديم مساعدات مالية لأية دولة في العالم دون موافقة الكونجرس، ولا يستطيع التوقيع على اتفاقيات أو معاهدات إلا بموافقة الكونجرس، ولا يستطيع رفع الموازنات العسكرية إلا بموافقة الكونجرس، ولا يستطيع تعيين كبار الموظفين كالوزراء والدبلوماسيين الذين يمثلون الولايات المتحدة في الداخل والخارج من دون موافقة الكونجرس. لكنه ووفقاً للدستور فهو الرئيس الأعلى للقوات المسلحة، وهو الدبلوماسي الأول، لذا فإن تسيير الشؤون الخارجية يقع على عاتقه... ورغم أنه لا يستطيع شن حرب عسكرية على أية دولة دون موافقة الكونجرس فإنه يملك حق شن هجمات عسكرية محدودة على أي طرف، فإذا أراد مثلا مهاجمة إيران بسبب برنامجها النووي فإنه يمكنه اتخاذ هذا القرار دون الرجوع إلى الكونجرس، وله صلاحيات أخرى كثيرة لا تتعارض مع دولة المؤسسات، لذا لا يجب أن يستغرب عندما تنتظر منه الشعوب العربية وشعوب العالم "التغيير". كما أن العالم يدرك أن الإرث الذي تركته إدارة بوش للرئيس القادم هو إرث ثقيل وصعب... لكن العالم يضع ثقته في الرئيس الشاب الذي استطاع الوصول إلى البيت الأبيض وهو الذي لم يكن يلتفت إليه أحد في بداية الانتخابات. وتبقى التحديات كثيرة وكبيرة، لكن الأمل الذي يعقده العالم على الرئيس الأميركي المنتخب كبير جداً. لذا عندما تدخل أيها الرئيس في يناير المقبل إلى البيت الأبيض، يجب ألا تنسى أنك لست مسؤولًا فقط عن أحلام الأميركيين الذين صوتوا أو لم يصوتوا لك، وإنما من مكتبك البيضاوي صرت مسؤولاً عن أحلام كثير من شعوب العالم وخصوصاً تلك التي تأثرت بسبب سياسات الإدارة الأميركية الحالية. لقد استمعت إلى خطابك بعد إعلان فوزك ولا أستطيع إلا أن أعترف أنه كان خطاباً مختلفاً عن خطابات من سبقوك وكان مؤثراً وكل من استمع إليه كان تعليقه: "نتمنى أن تكون الأفعال في المستقبل كالأقوال اليوم"... وفي ذلك الخطاب في مساء الخامس من نوفمبر الجاري قلت أيها الرئيس إنك "ستعمل من أجل أن يسود السلام العالم" وهذا كل ما نريده منك في هذه المنطقة من العالم... فشعوب هذه المنطقة تنتظر رئيساً أميركياً يتفهم حاجتها لا أن يتهمها بالإرهاب والتطرف ويقوم بمحاربتها طوال فترة رئاسته. العالم بحاجة إلى أن يشعر بالهدوء والسلام والاستقرار في السنوات المقبلة وخصوصاً منطقتنا العربية، فهي ليست بحاجة لمزيد من الوعود التي لا تتحقق فقد أمطرتنا الإدارة الأميركية الحالية بالوعود وها هي ترحل دون أن تنفذ أياً من تلك الوعود لا على صعيد السلام في الشرق الأوسط وإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ولا على صعيد وعود الديمقراطية التي تنازلت عنها ببساطة شديدة! يجب أن تدرك أيها الرئيس القادم من بعيد أن العالم بأسره يريد "التغيير" وينتظر "التغيير" وهذا ما وعدت به في حملتك الانتخابية وهذا ما يجب أن تفي به ليس لشعبك فقط وإنما لشعوب العالم التي انتظرت فوزك وفرحت لانتهاء المعركة لصالحك وذرفت دموع الفرح لاقتراب موعد "التغيير". لقد كانت هذه الانتخابات تاريخية ولكننا مع موعد جديد مع التاريخ عندما يتولى أوباما الرئاسة ويجلس في مكتبه البيضاوي ويصدر قراراته المهمة... وأميركا لها موعد مع التاريخ عندما يعيد إليها الرئيس أوباما مكانتها واحترامها بين العالم بعد أن كادت تفقده... والأميركيون بشكل عام أمام مرحلة تاريخية مهمة في ظل قيادة رئيس كاريزمي ذكي وتقدمي يمكن إذا ما نجح أن تشكل فترة رئاسته منعطفاً تاريخياً مهماً للولايات المتحدة الأميركية من خلال بعض القيم المهمة التي يمكن أن تضاف إلى السياسة والحياة الأميركيتين.