العرب ومنذ إعلان فوز باراك أوباما، رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وهم يمرون بفترة انتظار وترقب ويعيشون حالة يمكن تسميتها عدم اتزان سياسي تشوبه حالة من التفاؤل الحذر، معتقدين بأن الرئيس الجديد سيحقق آمالهم ورغباتهم الممتدة لأكثر من نصف قرن كما استطاع أن يحقق حلم مارتن لوثر كينج صاحب مقولة "عندي حلم" بأن أصبح أول أسود يدخل البيت الأبيض رئيساً حقيقياً وليس ممثلا سينمائياً. أول مظاهر عدم اتزان العرب، هو ذلك الاهتمام المبالغ فيه بفوز أوباما، حكاماً وشعوباً، اعتقاداً منهم أن الرئيس الجديد يختلف عن باقي الرؤساء الـ43 الذين سبقوه إلى البيت الأبيض، ولذا فإن الآمال العربية المعقودة عليه كبيرة. أما الخلل الثاني أن العرب حتى اليوم لم يفهموا المشهد السياسي الأميركي، رغم تكراره، والذي لا يقدم خدمات مجانية حتى لو كان الرئيس ذا أصول أفريقية ومسلمة، فهو أميركي قبل كل شيء وأوباما بدأ يؤكد ذلك. هناك اعتقاد عربي قديم بقدرة الولايات المتحدة على إيجاد الحلول لمشاكلهم ومستمر إلى اليوم، ولهذا السبب فهم متعلقون بمن سيأتي إلى البيت الأبيض باعتباره سيحقق آمالهم وأمنياتهم، وقد زاد هذا التعلق والحماس خلال الفترة الحالية، بل هناك تعاطف مع فوز أوباما انطلاقاً من قناعة شبه كاملة بأنه سيجد الحل ويحقق الحلم العربي ويحل مشاكلهم، لكن بالعودة إلى ما يحدث من السياسة الأميركية خلال نصف قرن وما عرفناه من تداول السلطة بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي، فإنه لا يوجد رئيس أميركي قدم للعرب ولمشاكلهم مساعدة سياسية أو دعماً على حساب المصالح الاستراتيجية الأميركية دون ضغوط وإقناع. واحدة من النتائج أو الاشكاليات التي يواجهها العرب في تعاملهم مع الإدارات الأميركية وهي سبب في عدم اتزانهم السياسي، أنهم ينتظرون من الرئيس الأميركي أن يقدم لهم الحلول لمشاكلهم دون أي ضغط أو مطالبة، لذا فهم يأملون من أوباما خاصة وأنه يتمتع بأصول عرقية ودينية أقرب للعرب، أن ينظر إليهم بطريقة مختلفة عن الرؤساء الذين سبقوه، وهذا الأمر على خلاف مع ما حدث مع باقي الدول في المنطقة مثل إسرائيل وإيران وغيرهما من دول العالم التي قدمت قائمة مطالب وبدأت بالضغط للحصول على مزايا سياسية أو على الأقل بدأت بجس النبض السياسي لدى أوباما. سياسة الرجاء وانتظار المساعدة والعون من أوباما وغيره أمر لا جدوى منه، وما يفاقم المشكلة عدم وجود سياسة عربية أو موقف عربي واحد بل الاختلافات كثيرة، وهذا أعطى مساحة كبيرة لباقي الدول للحصول على الامتيازات والدعم الأميركي على حساب العرب، وربما الخلاف بين "فتح" و"حماس" الآن خير دليل. أعتقد أن المبالغة في التمني وانتظار الآمال من الرئيس الأميركي هو نوع من التفكير الهروبي، والمؤكد أن هذا الحلم لن يتحقق دون تحرك عملي، بل إنه في الجانب المقابل مضر لأنه يختزل الولايات المتحدة وسياستها في رئيسها وأصل عرقه، وكأن كل شيء في يد أوباما وليس في دولة المؤسسات، حيث يحتاج كل طرف للبحث عن مصالحه وللتحرك كما تحرك أوباما واستطاع أن يحقق حلم الأميركيين السود. صحيح أن الأمر احتاج إلى وقت، لكنه تحقق، وهذا ما يمكن أن نعتبره مثالاً ونموذجاً للحقائق السياسية الأميركية. أعتقد أن فقداننا لسياسة عربية موحدة وفقداننا الرغبة في التأثير على الإدارة الأميركية هو مقابل عملي وهدية حقيقية للطرف الآخر كي يستفيد من السياسة الأميركية بشكل مشروع ومسموح. وأعتقد أن العرب هم وحدهم المسؤولون عن الحصول على مصالحهم والدفاع عنها وليس أوباما، وقبل أن يصدمنا الواقع ونكتشف بأن الآمال لا أساس لها وأن الحماس العربي لفوز أوباما المرتبط بأصوله العرقية والدينية كان مجرد حلم، لا بد له من الأخذ بالأسباب العملية والعلمية. لا بد من الأخذ بخطوات سياسية صائبة للخروج من الصورة النمطية في التعامل مع كل رئيس جديد، وأن ننتقل من سياسة الانتظار والتمني إلى سياسة الضغط والإقناع لجعل المطالب العربية عملية والاستفادة من المساحة السياسية في أميركا التي سمحت لأوباما نفسه بأن يكون أول رجل أسود يحكمها.