كنت أتحدث مع صديقي الإيراني، عن مدى الحيرة التي لا بد أن سكان الشرق الأوسط يشعرون بها الآن وهم يرون أميركا تنتخب شخصاً اسمه باراك حسين أوباما، بعد سبع سنوات على هجمات الحادي عشر من سبتمبر. من المؤكد أن أميركا هي الأمة الوحيدة التي تستطيع خلال نفس العقد من الزمان شن حرب ضد رئيس اسمه حسين (الرئيس العراقي صدام حسين)، والتهديد باستخدام القوة ضد بلد اسم أعظم شهدائه هو الحسين (إيران)، ثم تنتخب رئيساً أسمه الأوسط حسين. هل هذا دليل على عظمتنا كأمة، أم ماذا؟ لقد كُتب الكثير عن الطريقة التي يحتفل بها الناس في مختلف أنحاء العالم بفوز باراك أوباما الذي يشير اسمه الأول في اللغة العربية إلى "البركه". لن أمضي أكثر من ذلك، لكني أقول إنني متأكد من أن أوباما، وفي ذات اللحظة التي سيجد فيها نفسه مضطراً لاستخدام القوة الأميركية في مكان ما من العالم، سيواجه بردة فعل تنقلب فيها كل المشاعر الطيبة نحوه إلى النقيض. أما الآن فإن سيرته الذاتية، وسلوكه، واستعداده لمقاربة نظام مثل النظام الإيراني من خلال الدبلوماسية، يجعل من "شيطنته" مسألة أكثر صعوبة بكثير. "فإذا ما كنت مسؤولا منتمياً إلى التيار المتشدد في إيران، فإن الرئيس الأميركي الذي يود التحدث معك يشكل لك معضلة أكثر من الرئيس الذي يواجهك"، هذا ما قاله لي "كريم سجاد بور"، الخبير في الشؤون الإيرانية في مؤسسة "كارنيجي للسلام الدولي"، والذي أضاف: "لا تستطيع مثلا أن تقنع الجماهير بالخروج إلى الشوارع لكي تهتف: الموت لباراك حسين أوباما، لأن هذا الهتاف يشبه هتافات القاهرين وليس هتافات المظلومين. كما أن أوباما وببساطة شديدة لا ينسجم مع خطاب الإسلاميين الراديكاليين عن أميركا العنصرية، المتعطشة للدماء، والعازمة على قهر المسلمين في مختلف أنحاء العالم". وبينما يبدو العالم مستعداً لمنح أوباما شهر عسل طويلا، فإن هناك سؤالاً أكثر أهمية يطرح نفسه: ما هي مدة شهر العسل الذي يرغب أوباما في منحه للعالم؟ إنني أود أن أقول شيئا واحداً لكل هؤلاء الأوروبيين، واليابانيين، والكنديين، والروس، والإيرانيين، والصينيين، والهنود، والأميركيين اللاتينيين... الذين يرسلون رسائل إلكترونية لإصدقائهم الأميركيين يعبرون فيها عن فرحتهم بـ"عودة أميركا" وهو :"أروني أموالكم". لا تكتفوا بأن تروني حبكم فحسب، ولا أن تروني ابتساماتكم... فحبكم متقلب وسيستمر فقط طالما استمر أوباما في الامتناع عن توجيه ضربته الجوية الأولى ضد مواقع "القاعدة" في باكستان. لذلك أريد منكم أن تثبتوا لي أنكم مساهمون مع أوباما -ولستم مجرد ركاب مجانين- فيما يتوقع له أن يكون سلسلة من المبادرات الصعبة، الباهظة التكلفة، التي ستقدم إدارته على القيام بها للمحافظة على استقرار العالم وحريته في وقت تتناقص فيه مواردنا باستمرار. إنني أستطيع أن اتفهم موقف أي أجنبي عارض غزو أميركا للعراق، وغضب بسبب الأخطاء الفادحة التي ارتكبت فيه بعد الغزو، لكن من المؤكد أن كل شخص في هذا العالم لديه مصلحة في مساعدة أوباما -الذي عارض الحرب- على إنهائها بطريقة لائقة. لقد عارض أوباما الطريقة التي بدأت بها أميركا تلك الحرب، لكن الأقدار شاءت أن يصبح هو الرجل الذي سيكون مسؤولا عن الطريقة التي ستنتهي بها... مما يطرح السؤال: لماذا لا يقدم حلفاؤنا كل ما يستطيعون من أموال، وقوات أمن، وموظفي إغاثة، وقوات مقاتلة، ودعم دبلوماسي، من أجل زيادة فرص تحقيق نهاية لائقة للحرب في العراق؟ وفي أفغانستان كذلك؟ الأمم المتحدة تقول إنها لا تريد من إيران أن تتحول إلى دولة نووية لكنها لا تريد من أميركا أن تستخدم القوة لمنع إيران من التحول إلى دولة نووية. حسناً... أستطيع أن أتفهم ذلك لكنه يدفعني للقول إنني أريد من كل هؤلاء الناس في الصين، وفرنسا، وروسيا، والهند، وألمانيا، الذين تملأ الابتسامات وجوههم فرحاً بفوز أوباما، أن يرفعوا أصواتهم ويطالبوا حكوماتهم باستخدام نفوذها الاقتصادي الهائل لدى طهران كي يجعلوها تعرف أنها إذا ما مضت قدماً في محاولاتها النووية، فإن دولهم ستفرض عليها عقوبات اقتصادية حقيقية. ليس هناك ما سيساعد الرئيس أوباما على التوصل لصفقة دبلوماسية مع إيران، أفضل من أن تكون في جعبته تهديدات بفرض عقوبات صينية وهندية وأممية ضدها. إن الرئيس بوش، ونظراً لأنه كان قابلا للشيطنة بسهولة، قد جعل من ركوب عربة القوة الأميركية مجاناً أمراً متاحاً للجميع، لكن أوباما، في ظني، لن يجعل ذلك سهلا. لذلك أقول للجميع خارج أميركا: أشكركم جزيل الشكر على تصفيقكم الحار لرئيسنا الجديد ويسرني أن أعبر عن سعادتي لأنكم تشعرون بأن أميركا الحقيقية قد عادت. لكني أقول لكم أيضاً؛ إذا ما أردتم أن ينجح أوباما حقاً، فلا تكتفوا بإظهار حبكم لنا وإنما أطالبكم بأن تظهروا لنا أموالكم، وقواتكم، وجهودكم الدبلوماسية، وشراكاتكم الاقتصادية أيضاً. توماس فريدمان كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"