بكل المقاييس، يعتبر فوز أوباما وانتخابه باعتباره الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة الأميركية تحولاً فارقاً في تاريخ أميركا. وأعلم أن هناك من المشككين من يسعون للتقليل من أهمية هذا الانتصار، إلا أن لدي من تجارب الحملة الانتخابية ما يكفي ليدرك هؤلاء مدى أهمية هذا النصر بالنسبة للكثير من الأميركيين. وفيما يلي أسرد بعض تلك التجارب. ففي يوم الأحد السابق للانتخابات، كنت قد خاطبت حشداً انتخابياً من المهاجرين اليمنيين والبنجاليين المؤيدين لأوباما، تجمعوا داخل صالة تابعة لاتحاد عمال صناعة السيارات في ولاية ميشجان. وتعد هاتان الفئتان بين أحدث مجموعات المهاجرين الأميركيين، وقد عانى أفرادهما محنتين ما أن وطئت أقدامهم أرض أميركا: الأزمة الاقتصادية، والتمييز ضد المسلمين من قبل المتعصبين اليمينيين واليساريين على حد سواء. ومن خلال النظر إلى عيون المحتشدين والاستماع إلى كلماتهم، أدركت مدى أهمية حملة الحزب "الديمقراطي" الأخيرة بالنسبة لهم. ذلك أن فوز أوباما يمثل في عيونهم تأكيداً لاشك فيه لحقيقة الحلم الأميركي. فكأن فوزه يطمئن كل واحد منهم على إمكانية الوصول إلى ذات المنصب الذي فاز به أوباما. وفيه بالطبع ما يعزز شعورهم بالقبول في المجتمع الجديد الذي هاجروا إليه، وانفتاح الفرص الواسعة أمامهم. واختتمت ذلك اليوم بتناول وجبة العشاء في كنيسة مجرية في مدينة توليدو بولاية أوهايو، حيث تجمع كافة العاملين في الحملة الانتخابية للحزب "الديمقراطي" في الولاية، بهدف حشد طاقاتهم استعداداً لمعركة الثلاثاء الفاصلة. وهؤلاء المهاجرون المنحدرون من أصول أوروبية، الذين ظلوا يمثلون قاعدة رئيسية من القواعد الانتخابية المؤيدة للحزب "الديمقراطي" على امتداد ما يزيد على القرن، هم أنفسهم الذين يمثلون ناخبي الطبقة الوسطى البيض، الذين كان ينبغي لأوباما الفوز بأصواتهم حتى يضمن وصوله إلى البيت الأبيض. ومما لمسته فيهم من حماس وإثارة للحملة الانتخابية، أدركت أنهم سيصوتون له. وقد استطاع هؤلاء الناخبون البيض المهاجرون تأمين موقع لهم بين أفراد الطبقة الوسطى الأميركية، بعد استقرار الجيل الثاني من مهاجريهم، إلا أنهم بدأوا يشعرون مؤخراً بالخطر، وسيطر عليهم الخوف والقلق من أن يتسرب الحلم الأميركي من بين أيدي أطفالهم. ومن هنا لم يكن من سبيل للإمساك بالحلم سوى التصويت لصالح أوباما. وليست هذه المشاهد جديدة عليّ بأية حال. فقد صادفت مثلها منذ جولتي في الحملة الانتخابية التمهيدية في وقت مبكر من شهر أكتوبر من العام الماضي، خاصة عند ذهابي إلى ولاية "أيوا". والذي رأيته هناك هو قدرة أوباما على بعث الشعور بالأمل والإيمان بإمكانية التغيير في نفوس الأميركيين، بمختلف انتماءاتهم العرقية والدينية، وبشتى أعمارهم وأجيالهم. وقد شعرت بقوة هذه المشاعر جميعاً أثناء وقوفي في صف طويل بانتظار فرصتي في الاقتراع يوم الثلاثاء الأخير الذي فاز فيه أوباما. فبحكم مشاركتي في حملات المرشح الرئاسي جيسي جاكسون لعامي 1984 و1988 أدركت جيداً ما كانت تعنيه لحظات انتظار التصويت هذه بالنسبة للكثير من أفراد العرقيات المتعددة من الناخبين الأميركيين، وخاصة الأفارقة منهم. فقد تدفقت في عروقنا نحن وعروق السابقين لنا من قدامى المهاجرين مياه التاريخ وفيضاناته. وتذكرنا حينها قساوة العزل العنصري التي حدثت على أيامنا، واستحضرنا تلك القوانين العنصرية التي منعت الأفارقة الأميركيين من السكن في منطقة واحدة مع البيض، أو مشاركة أولادهم وبناتهم في الفصول الدراسية نفسها، وصولاً إلى حرمانهم من حق التصويت. وقد ساهمنا في حركة الحقوق المدنية بدافع تغيير قوانيننا وجعل نظامنا السياسي أكثر انفتاحاً وقبولاً للآخر. وفي سياق ذلك رأينا كيف دفع الكثيرون ثمن مشاركتهم في هذه الحركة بالغالي والنفيس. واليوم وبفوز باراك أوباما، جنينا ثمن ذلك العناء، وأثمرت أخيراً تلك الرحلة الشاقة الطويلة التي قطعناها على امتداد 40 عاماً، بانتخاب أول أميركي أفريقي للرئاسة الأميركية. وقد أصاب المرشح "الجمهوري" جون ماكين في خطاب تسليمه بنتائج الانتخابات بقوله: هذه لحظة عظيمة بالنسبة للأميركيين الأفارقة. وهي كذلك بالفعل.