إدارة أوباما: آمال عريضة أميركياً... وسقف منخفض عالمياً تكريس زعامة سيغولين رويال للحزب الاشتراكي الفرنسي، ودلالات وآفاق الفوز التاريخي الذي حققه المرشح "الديمقراطي" في الانتخابات الرئاسية الأميركية، واستمرار استحقاقات وتحديات الأزمة المالية العالمية، موضوعات ثلاثة نعرض لها ضمن جولة سريعة في الصحافة الفرنسية. الحزب الاشتراكي... وزعامة سيغولين: في صحيفة لوفيغارو كتب بول- هنري ديلمبرت أمس افتتاحية ناقش فيها الآفاق السياسية التي فتحها الاقتراع الداخلي للحزب الاشتراكي الفرنسي، مساء الخميس الماضي، مؤكداً أن النتائج شكلت هزيمة واضحة للزعامات التقليدية في الحزب المعروفة بـ"الفيلة"، في حين حققت مرشحة الرئاسة السابقة سيغولين رويال انتصاراً كبيراً من شأنه أن يمكنها من طي صفحة كاملة من تاريخ الحزب، هي تلك التي بدأت في منتصف التسعينيات من القرن الماضي مع صعود تيار جوسبان- هولاند. وفي ضوء هذا الاقتراع الذي سجل فوز حلفاء سيغولين، وصعود المحسوبين عليها من سياسيي الحزب، وبنسب كبيرة حتى لو لم تكن كافية لتشكيل أغلبية، فإنه يمكن القول من الآن إن رويال باتت هي المرشحة الأقوى حظاً باسم الحزب للانتخابات الرئاسية المقبلة. ومن هنا وحتى ذلك التاريخ سيتعين عليها التخلص من منظومة التوازنات الاشتراكية القديمة. وينتهي الكاتب إلى أن جاذبية الخطاب السياسي الذي ترفعه سيغولين، لدى مناصري أكبر أحزاب اليسار الفرنسي، ليست وحدها كافية لتحقيق رهاناتها السياسية كافة، بل لابد لها بعد تكوين أغلبية ملتفة حول زعامتها من أن تبني أيضاً دعائم برنامج سياسي مقنع. وأمامها الآن ثلاث سنوات للقيام بذلك. وفي افتتاحية أخرى كتبها جان- بول بييرو في صحيفة لومانيتيه ذهب إلى أن الحزب الاشتراكي دخل الآن عملياً في منطق التجزؤ والتمزق نظراً إلى اتساع الهوة بين تياراته السياسية المختلفة، بل إن ثمة منتخبين محليين وأوروبيين أعلنوا انسحابهم منه عملياً. كما أن بعض أجنحة الحزب يقع الآن شيئاً فشيئاً في فخ تبني إيديولوجيا "اشتراكية ليبرالية"، في وقت يكاد الإجماع يقع فيه على إفلاس الليبرالية نفسها. أما افتتاحية صحيفة لوموند فقد ربطت بين الخسارة غير المتوقعة التي مني بها بعض حلفاء فرانسوا هولاند في الاقتراع الداخلي الاشتراكي وبين أفول نجمه كصانع زعماء وواجهات للحزب، مشيرة إلى أن الصراع الداخلي المرير قد أدى الآن إلى أن تكمل تحولات عمر الحزب دورة كاملة ينتظر أن يصفو الجو فيها لرويال وتيارها، دون منازع. انتخاب أوباما... رؤى فرنسية: ما زالت تداعيات فوز المرشح "الديمقراطي" في انتخابات الرئاسة الأميركية تكتسح العناوين والافتتاحيات في الصحف الفرنسية. في مقال كتبه أريك فوتورينو بلوفيغارو قال إن انتخاب باراك أوباما يشكل في الواقع نهاية لعهد "الثورة المحافظة" التي بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي مع الرئيس الأسبق ريغان، وهي المدرسة السياسية ذاتها التي طبعت ببصماتها القوية أداء إدارة بوش في فترتي ولايته، بما أفضى إليه ذلك من تغول لأيديولوجيا السوق وتوحش للرأسمالية انتهيا بهذا السقوط المريع لكبريات الشركات والمصارف على نحو ما نرى الآن في الأزمة المالية. ولذا فإن أوباما يأتي الآن في المخيال السياسي الأميركي والعالمي كمخلص، وكرجل لحظة حاسمة. ومع أنه يصل السلطة اليوم دون أن يكون لديه برنامج واضح ومعلن، باستثناء ما رفع أثناء الحملة من ديباجات انتخابية عريضة، إلا أنه سيتعين عليه اليوم أن يثبت قدرته على إعادة الحياة مجدداً إلى أشلاء الحلم الأميركي. ولاشك أن رجلاً منفتحاً وودوداً وهادئ الأعصاب مثل أوباما يمتلك كل المقومات التي تؤهله للعب دور المنقذ والمخلص حقاً. أما الكاتب دومينيك كوينو فقد ذهب في مقال كتبه في "لاكروا" إلى أن على العالم أن يعرف أولاً أن أوباما سيتولى منصبه باعتباره رئيساً لأميركا تحديداً، بمعنى أن مصالح أميركا والعمل على تحقيق تطلعات مواطنيها ستكون هي هاجسه وبرنامجه الأول والأخير، وليس بالضرورة ما تنتظره بقية العالم. ولذا فإن أولئك الذين ينتظرون تحولاً دراماتيكياً ومباشراً في السياسة الأميركية مع انطلاق عمل إدارة أوباما عليهم التقليل بعض الشيء من سقف انتظاراتهم العريضة. ومن جانبه ركز لوران جوفرين في افتتاحية ليبراسيون على دلالة انتخاب رجل أسود لرئاسة أميركا، مذكراً بصفحات من التمييز العرقي ما زالت الذاكرة الاجتماعية والسياسية الأميركية مكتنزة بها. واعتبر الكاتب أن قوة الآمال المعلقة على ما يستطيع اجتراحه خدمة لبلاده وللخروج بها من أحزمة التحديات التي تلفها الآن هي التي شكلت رافعة لصعوده السياسي المدهش، ولذا فإن كثيراً من المراقبين يعتقدون الآن أن الاختبار الحقيقي الذي سيواجهه منذ يومه الأول في البيت الأبيض هو الاستجابة بفعالية لجميع تلك التحديات. وأخيراً كتب بيير روسلين تحليلاً سياسياً بصحيفة لوفيغارو بعنوان: "مع أوباما... أميركا لم تتجه إلى اليسار" فند فيه ما يتردد الآن على نطاق واسع من أن سيد البيت الأبيض الجديد ذو مسحة يسارية ستشكل نهاية ثورية لعهد التيار المحافظ في المشهد السياسي الأميركي. وذلك، يقول الكاتب، لأن المزاج السياسي العام في أميركا مختلف تماماً عن المزاج الأوروبي، فليس هنالك قبول واسع لتيار سياسي مشابه للاتجاهات "الاشتراكية- الديمقراطية" الأوروبية، والدليل على ذلك استطلاع أجرى يوم الثلاثاء الماضي لحظة انتهاء الانتخابات قال فيه 22% فقط إنهم يعتبرون أنفسهم "يساريين" أي "ليبراليين" بالمعنى الأميركي، في حين قال 44% إنهم يعتبرون أنفسهم معتدلين، ووصف 34% أنفسهم بأنهم "محافظون". الأزمة المالية واستمرار القلق: لقد ربح باراك أوباما ولكن نزيف خسائر الأسواق المالية ما زال متواصلاً، وما زالت مليارات الدولارات ومليارات الأوهام أيضاً تتهاوى تباعاً على رغم اختيار الأميركيين لرئيس جديد. هذا ما ذهب إليه "ريمي جودو" في "ليست ربيبليكن"، مشيراً إلى أن جسامة المهمة الاقتصادية التي تنتظر أوباما في "وول ستريت" وفي الأسواق العالمية الأخرى ترقى إلى مستوى إعادة تأسيس النظام الرأسمالي مجدداً بحيث يكون قادراً على التعايش مع تحديات القرن الحادي والعشرين. والخبر الأسوأ في هذا الخضم هو أن صندوق النقد الدولي أطلق تصريحات بالغة التشاؤم تزامناً مع انتخاب الرئيس الأميركي الجديد متنبئاً بمشهد اقتصادي دولي كئيب خلال سنة 2009. وهذا ما يذهب إليه أيضاً هرفيه كانيه في افتتاحية "سانتر ويست" الذي قال إن العالم الذي عاش في خيالات الأحلام بانتخاب أوباما يجد نفسه الآن مضطراً للخروج من واقع الحلم والاصطدام بقساوة أرض الواقع مع توالي التوقعات بالغة التشاؤم، التي صدرت تباعاً عن البنك المركزي الأوروبي وبنك أنجلترا وصندوق النقد الدولي ووزارة المال الفرنسية، وكلها تتوقع تباطؤاً وضعفاً بالغاً في أداء الاقتصادات خلال العام المقبل. والأخطر من هذا كله أن الوقع النفسي لديمومة الأزمة على رغم كل ما ضخ من مليارات، وكل ما بذل من مساعٍ يخشى أن يصعب من مهمة إدارة أوباما وما يتوقع أن تتخذه من خطوات إبداعية لوضع حد للأزمة المالية العالمية، التي تعتبر إصلاح النظام المالي الأميركي العقدة الأساسية في جهود التغلب عليها، على صعيد عالمي. إعداد: حسن ولد المختار