حقق الشعب الأميركي إنجازاً تاريخياً ليس على المستوى المحلي الأميركي بل على مستوى العالم أجمع باختيار المرشح الديمقراطي الأسود باراك حسين أوباما رئيساً للولايات المتحدة. لقد أثبت الشعب الأميركي بهذا الاختيار للعالم أجمع بأنه شعب أصيل يؤمن بالديمقراطية الليبرالية والتعددية الفكرية ويرفض كل محاولات الاتهام بأنه شعب يميني متعصب فقط لأن بعض السياسيين المحافظين فازوا في الانتخابات السابقة. الشعب الأميركي نبذ الاتهام الموجه ضده بأنه شعب عنصري متغطرس يحارب الأقليات ويرفض توليهم للسلطة، بينما واقع الحال يثبت عكس ذلك فالشعب الأميركي بكل طوائفه وانتماءاته العرقية والدينية والقومية اختار رجلاً متميزاً ذكياً متعلماً تعليماً راقياً، فالرئيس الأميركي الجديد مواطن معولم فوالده كيني مسلم ووالدته مسيحية بيضاء وعاش شبابه متنقلاً بين أفريقيا وأندونيسيا وجزر الهاواي الأميركية. الترحيب الدولي بفوز المرشح الديمقراطي يؤكد ثقة العالم وتجديده للقيادة الأميركية... فالولايات المتحدة عززت موقعها كدولة عظمى بدون منافس بفوز قيادتها الجديدة وبعشق الشعب الأميركي للتجديد والتغيير للأفضل دائماً. فوز أوباما يعزز إصرار الشعب الأميركي على الاستمرار في قيادة العالم وتحمل مسؤولية المخاطر أثناء تولي الرئيس فترة ولايته الأولى، فما هي القضايا التي سوف يتصدى لها الرئيس الجديد والتي من المفترض أن تتم معالجتها، في أنظار العالم الحر؟ الجو الاحتفالي الكبير الذي شهدته دول العالم في قارات أوروبا وأفريقيا وآسيا يعود إلى جو التفاؤل في إعادة القيادة الأميركية الأخلاقية في كل بقاع العالم. استطلاعات الرأي التي أجريت خارج الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا ودول الشرق الأوسط، أكدت حصول أوباما على تأييد جماهيري واسع، ويعود سبب ذلك ليس إلى افتتان الشباب في العالم بشخصية أوباما الكارزماتية المتميزة بل إلى شعور كل الأقليات المضطهدة في العالم بأن هنالك بريق أمل في تحسن أوضاعهم وأن النموذج الأميركي للديمقراطية الليبرالية هو أكثر فعالية وعملية من كل النماذج الديمقراطية الأخرى في المعمورة. ماذا يعني فوز الرئيس أوباما بالنسبة للسياسة الأميركية في الوطن العربي بشكل عام والخليج بشكل خاص؟ الولايات المتحدة دولة مؤسسات لا تتغير السياسة الخارجية فيها باستلام الرئيس الجديد للقيادة، لا الديمقراطيين ولا الجمهوريين يستطيعون تغيير السياسة الأميركية بسهولة. صحيح أن أي رئيس جديد يستطيع وضع لمساته الشخصية على السياسة الأميركية، لكن في النهاية يلعب المستشارون في البيت الأبيض والكونجرس ومراكز البحوث والدراسات والحزب الحاكم ومؤسسات المجتمع المدني... كلها تعلب دوراً في تحديد المصالح الأميركية في الخارج. الدول العربية كلها رحبت بقدوم الرئيس الجديد، فقد طالب الرئيس محمود عباس من الرئيس الأميركي المنتخب أن يُفعِّل عملية السلام في الشرق الأوسط. دول الخليج العربية تراقب باهتمام بالغ كيفية تعامل الإدارة الجديدة مع كل من العراق وإيران... فالسياسة الأميركية تحدد كيفية تعامل دول الخليج مع جيرانها، فالرئيس الجديد أعلن في حملته الانتخابية بأن على الحكومة العراقية تحمل مسؤولياتها لأنه ليس لديه الاستعداد لإنفاق عشرة مليارات دولار شهرياً في حرب لا جدوى منها، أما بالنسبة للعلاقة مع إيران فقد أكد عزمه على فتح حوار معها لدراسة أوضاع العراق والتسلح النووي الإيراني... نأمل أن تتخذ دول الخليج مواقف موحدة تجاه العراق وإيران، حتى يتم التفاهم مع الإدارة الأميركية في حوارها مع إيران، لضمان مصالح دول المنطقة. د. شملان يوسف العيسى