فجر جديد على أميركا... وآمال عريضة في انتظار أوباما الاحتفال بفوز أوباما في الانتخابات الرئاسية، هو المحور الرئيس لاهتمامات الصحافة الأميركية هذا الأسبوع، وذلك من خلال تحليل دلالات الفوز وأسبابه والآمال المعلقة على سياسات الرئيس رقم 44. "الرئيس باراك أوباما": عنوان احتفلت افتتاحية "نيويورك تايمز" من خلاله صبيحة الأربعاء الماضي بفوز المرشح "الديمقراطي"، الذي كانت قد أكدت مسبقاً اختيارها له في منصب الرئيس رقم 44 للولايات المتحدة. الصحيفة ترى في فوز باراك أوباما لحظة تاريخية تستوجب الوقوف عندها لكونها تعكس حقائق أساسية منها: أن أميركياً اسمه باراك حسين أوباما وهو ابن لامرأة بيضاء وأب أسود لا يعرف عنه كثيراً، وحفيد لجدين بعيديْن عن السلطة والثروة في أميركا، قد انتخب رئيساً للولايات المتحدة. أوباما تمكن من هزيمة هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية للحزب "الديمقراطي"، ثم انتصر على منافسه "الجمهوري" جون ماكين الذي خاض حملة رئاسية سادها الخوف والغضب. أوباما فاز لأنه أدرك حجم الخطأ الذي وقعت فيه الولايات المتحدة، فهو رأى الفشل الذي منيت به الحكومة الأميركية في حماية مواطنيها، لذا وعد بقيادة حكومة تضبط الأوضاع الاقتصادية وتضمن توفير الرعاية الصحية لأي مريض، وأن توفر نظاماً تعليمياً يمنح أطفال أميركا القدرة التنافسية. الرئيس المنتخب قطع على نفسه عهداً بإنهاء الحروب العبثية واستعادة الحريات المدنية للأميركيين، وتحسين سمعة الولايات المتحدة في العالم. تركة بوش- تقول الصحيفة- مفعمة بالمشاكل، فأميركا خاضت حربين إحداهما ضرورية في أفغانستان والأخرى حمقاء في العراق. وضمن هذا الإطار، فأوباما أصاب بتركيزه على أفغانستان التي يراها جبهة حقيقية للحرب على الإرهاب، فلن يكون لدى البنتاجون ما يحتاجه من موارد لهزيمة "القاعدة" و"طالبان" إلا بعد بدء سحب القوات الأميركية من العراق. وعليه، سيكون أوباما أمام تحدٍ يتمثل في إدارة انسحاب القوات الأميركية من العراق دون أن يسفر ذلك عن صراعات إقليمية جديدة. الصحيفة لفتت الانتباه إلى أن الانتخابات الأميركية ركزت في البداية على الحرب كقضية محورية، لكن أثناء التصويت انشغلت عقول الأميركيين بالاقتصاد وفشل الحكومة في حمايته، مما يعني أن على أوباما توفير درجة عالية من الشفافية عند تطبيق خطة الإنقاذ التي وضعتها إدارة بوش. أما "واشنطن بوست"، فاحتفلت بفوز أوباما في افتتاحيتها المنشورة الأربعاء الماضي التي قالت فيها إن انتصار أوباما هو اتجاه جديد للولايات المتحدة التي تمر بأوقات عصيبة... إنه فجر جريد بعد صراع طويل خاضته البلاد لتجاوز أية انقسامات عرقية. "الانتخابات بالأرقام": هكذا عنونت "لوس أنجلوس تايمز" إحدى افتتاحياتها يوم الخميس الماضي لترصد بعض النتائج غير المسبوقة لانتخابات الرئاسة الأميركية. وضمن هذا الإطار، تشير النتائج إلى أن عدد من صوتوا لصالح المرشح "الديمقراطي" باراك أوباما 63.9 مليون أميركي، وهو أكبر رقم يحصل عليه مرشح رئاسي منذ انتخاب جورج بوش الأب عام 1988. وبالنسبة للمجمع الانتخابي، فقد حصل أوباما على 349 صوتاً وهو أكبر من أي رقم حصل عليه الرئيس بوش في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2000 و2004. وبخصوص النسبة المئوية لعملية التصويت، حصل أوباما على 52.4 وهي الأعلى مقارنة بأي مرشح "ديمقراطي" منذ عام 1964، والأعلى على مستوى الحزبين منذ عام 1988. أوباما ربح أصوات الناخبين في ولايتي إنديانا وفرجينيا في سابقة هي الأولى من نوعها لمرشح "ديمقراطي" لم ينجح في تحقيقها سوى ليندون جونسون عام 1964. وحول البعد الديمغرافي في التصويت للمرشح "الديمقراطي"، لفتت الصحيفة الانتباه إلى أن نسبة كبيرة من النساء صوتن لأوباما، والأمر نفسه ينطبق على ذوي الأصول الأفريقية، كما حصل على أصوات كثيرة من شريحة الشباب والناخبين الذين صوتوا للمرة الأولى. "أوباما والعالم": اختارت "روزا بروكس" هذه العبارة عنواناً لمقالها المنشور في "لوس أنجلوس تايمز" يوم الخميس الماضي. وحسب "بروكس"، في عيون العالم ثمة أشياء كثيرة يتعين على أوباما فعلها، لكنه ليس جورج بوش الابن، وهو ليس كلينتون، وامتداداته العائلية التي تصل إلى كينيا وإندونيسيا وكون عائلته تعكس تمازجاً عرقياً بين البيض والسود ستجعل له رؤية الشؤون العالمية تختلف عن أي رئيس أميركي سابق. أوباما وعدَ بوضع نهاية لانتهاكات حقوق الإنسان التي رافقت الحرب على الإرهاب ووعد بوضع نهاية -تتحلى بالمسؤولية- للمسألة العراقية، وبأنه سيتواصل مع الحلفاء والأعداء من أجل إعادة بناء الدبلوماسية الأميركية، وكلها مواقف تبعث على الطمأنينة في عالم عانى من ثماني سنوات سادها التوتر الناجم عن أجواء الحروب، والقلق من السياسات الخارجية الأميركية. وحسب الصحيفة، ربما يكون زعماء العالم متشوقين لمد يد الصداقة مع الولايات المتحدة، وهو أمر لم يكن موجوداً خلال السنوات الثماني الماضية، ومن ثم يمكن للرئيس المنتخب اغتنام هذه الفرصة وإحراز تقدم حقيقي على الصعيد الخارجي. لكن أوباما لن يتمكن خلال الشهر الأول من تسلمه زمام الأمور من جلب السلام إلى العراق، أو وضع نهاية للتوترات العربية- الإسرائيلية بحلول مارس المقبل، ولن يستطيع أيضاً إقناع إيران بالانتقال من التقنيات النووية إلى تقنيات الطاقة الشمسية، ولن يقنع أسامة بن لادن بترك الإرهاب والاتجاه بدلاً منه إلى تدشين سلسلة من محلات الزهور. غير أن أوباما لو استخدم عُشر موهبته التي ظهرت خلال حملته الانتخابية في السياسة الخارجية، فإنه سيكون قادراً على إحراز تقدم في قضايا مهمة كتخفيض التهديد النووي والعلاقات مع روسيا واستقرار الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. ماذا عن "الجمهوريين؟" في افتتاحيتها ليوم أمس الجمعة، رأت "كريستيان ساينس مونيتور" أن السجال الدائر الآن في الحزب "الجمهوري" ينصب على مناقشة الأخطاء التي أدت إلى هزيمة جون ماكين في الانتخابات الرئاسية، وتندرج ضمنها الأخطاء التي وقع فيها الرئيس بوش، والتي ساهمت في هزيمة الحزب. حسب الصحيفة، لا يجب أن يقتصر السجال على "الجمهوريين" بل إن حركة "المحافظين" في حاجة أيضاً إلى البحث عن أفكار جديدة. شعارات الحزب يمكن اختزالها في كلمة واحدة هي "الحرية"، في حين يركز "الديمقراطيون" على "المساواة". لكن إذا كان ثمة سبب واحد أدى إلى فوز أوباما، فإنه يكمن في سعيه إلى نقل حزبه والولايات المتحدة كلها نحو مصلح أميركي هو "الفرصة". وإذا كانت لدى "الجمهوريين" رغبة في العودة إلى البيت الأبيض، فيتوجب عليهم أن يعملوا كمعارضة على درجة كبيرة من الولاء للبلاد، وأن يحاوروا "الديمقراطيين" حول توفير مزيد من الفرص للأميركيين وتمكينهم من الحراك الاجتماعي عبر التعليم والاجتهاد في العمل. إعادة تدشين الحزب "الجمهوري" ليست عملاً سهلاً، لأن الديمقراطية الأميركية تحتاج إلى حزب محافظ قوي- أي الحزب "الجمهوري"- لكن بأفكار جديدة. إعداد: طه حسيب