لقد دخل الرئيس المنتخب باراك أوباما التاريخ من أوسع أبوابه بعد فوزه الساحق على غريمه الأبيض في الانتخابات الأميركية، الرئيس المنتخب أوباما ما كان له أن يحلم بحكم دولة عربية ديمقراطية طوال حياته، لو أنه ولد في إحدى دولنا العربية التي يصل الزعيم فيها بالانتخاب الحر، كما يقولون، لا أتكلم هنا عن دول تحكم بالطريقة الوراثية والتي أثبتت أنها أفضل من الدول العربية الديمقراطية، لأن الزعيم العربي الذي يصل بالوراثة له شروط يعرفها شعبه الذي ارتضى هذا النوع من الحكم عبر الأجيال، لكن الدول العربية "الديمقراطية" لا يعرف المواطن فيها ما هي صفات الرئيس لديهم، ومتى يتم الاستغناء عن خدماته. الولايات المتحدة الأميركية أثبتت للعالم أنها تنفث خبثها عبر صناديق الاقتراع الديمقراطية، فعندما فشل الجمهوريون خلال دورتين من الحكم للرئيس بوش في تأمين سلامة الشعب الأميركي ومنحه الأمان الذي يحلم به في بلده والعالم، وعندما فشل الجمهوريون في تأمين اقتصاد قوي كلل بالأزمة المالية التي يعيشها العالم كله وليس أميركا فقط، وعندما فقدت أميركا مصداقيتها العالمية كأحد رموز الاستقرار العالمي والسلم البشري، تحولت إلى مُوقد للحروب في العالم من أفغانستان إلى العراق. لقد فقدت أميركا هيمنتها العالمية وأصبح الكون يبحث عن قيادة جديدة، حيث أصبح الناس يترددون كثيراً في الذهاب إليها، أو حتى العيش فيها، بل إن الكثير من الأميركيين لا يصرحون بهويتهم الأميركية خلال ترحالهم حول العالم، إذ يخشون أن يكونوا هدفاً مستساغاً لأعمال إرهابية... ولغير ذلك من الأمور والنتائج، قرر الشعب الأميركي القوي عبر ديمقراطيته الواضحة أن يقول للجمهوريين: لقد أثبتم فشلكم وآن لكم أن تتركوا القيادة لغيركم، لكن من هو البديل؟ كطالب سابق في الولايات المتحدة الأميركية ولديّ علاقات جيدة مع كثير من الأصدقاء الأميركيين الذين أقدرهم وأعتز بصحبتهم، كنت أسمع دائماً هذه العبارة التي تؤرقني والتي ترددت كثيراً مع ترشح السناتور أوباما للانتخابات، وهي أن أميركا ستحكمها امرأة بيضاء قبل أن يحكمها أميركي ملون أو أسود، ومع ترشح هيلاري كلينتون للانتخابات قال الكثيرون إنها البديل، لكن أميركا أثبت أن ديمقراطيتها لا تعترف بالعنصرية التي يراها كثير من الناس. فقد اعترفت هيلاري بهزيمتها أمام الشاب أوباما، وطلبت من مؤيديها منحه أصواتهم، لأنه الأفضل من وجهة نظر الديمقراطيين ومن ثم الشعب الأميركي. أوباما لم يكن ليحكم دولة عربية ديمقراطية لأسباب كثيرة؛ أهمها أنه ملون من أب أسود مسلم وأم بيضاء، عاش غربة جغرافية ونشأ في يُتم جزئي، ولأنه شاب، فهو من مواليد 1961 ولأنه تعلم في إحدى أرقى الجامعات الأميركية، وهي هارفارد وتخرج منها عام 1991، ولأنه أستاذ للقانون في جامعة شيكاجو، ولأنه عمل كسيناتور في ولاية الينوي، ونجح في مهمته... كل ما سبق يرشحه في العالم العربي لأشياء كثيرة إلا أن يكون رئيساً لإحدى الدول العربية "الديمقراطية"، والتي يحكمها رجال أثبتوا فشلهم في كل شيء، من الاقتصاد حيث شعوبهم تعاني من فقر عام تضاعفت فيه الطبقة الفقيرة بنسب متوالية، وصارت بلدانهم تعاني الخسائر المتتالية في الأمن والتعليم والصحة، ومع ذلك فلا حول لشعوب هذه الدول ولاقوة لها على تغيير قادم، إلا عندما يشاء القدر في اختيار رئيسهم إلى مثواه الأخير، وفي كثير من الأوقات يأتي من بعده من يكمل المسيرة على ذات النهج الذي هم عليه. أما أميركا فالحال فيها هو ما نرى، وهو سر قوة هذه الأمة، نظام يسمح للرئيس بالحكم ويعطيه صلاحياته المحددة عبر القانون، وهناك من يراقب ويتابع، وهناك من يقرر الناجح من الفائز، ألا وهو الشعب الأميركي الذي يقول للفاشل خسرت الرهان فاسمح لنا بالبحث عن بديل... أوباما لم يكن ليفوز في انتخابات عربية حرة، وما كان له أن يحلم بحكم دولة عربية، لكنه اليوم يحكم أميركا ومن خلالها العالم، فتحية له ولأمة أثبتت في التاريخ المعاصر أحقيتها بالقيادة.